إنها مصر
أحسن شيء فعلته السعودية، هو طرد السفير الكندي خلال 24 ساعة وإبلاغه بأنه غير مرغوب فيه، وتجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية، مع الاحتفاظ بحقها في اتخاذ إجراءات أخري.. براڤو السعودية، لأن مثل هذه »الدول المدللة» لم تكتو بمثل النار التي تكتوي بها دولنا، وتتعامل مع قضايا حقوق الإنسان علي طريقة العجوز الثري الذي يذهب لحفل موسيقي، واضعا في عروة جاكتته وردة حمراء.
يبدو أن كندا زهقت من الفراغ والرفاهية، فقررت أن تدس أنفها في غبار الشرق الأوسط الملوث، وتدلو بدلوها في قضايا تجهل تفاصيلها ولا علم لها بها، وبدأت التسلية باستدعاء كاتب يصف نفسه بأنه »عضو مؤسس في الائتلاف الكندي المصري من أجل الديمقراطية»، وشن هجوما في صحيفة »تورنتو ستار» علي نظام الحكم في مصر، محرضا حكومة »جوستان ترودو» الحالية، بالصمت علي ما أسماه الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان في مصر، وبالمرة الثناء علي مرسي وجماعته وشرعيته، وهذا الكاره لبلده وناسه، مصري يحمل الجنسية الكندية.
كندا - وهذا أغرب ما في الأمر- مهمومة ولا تنام الليل، من أجل من تسميهم معتقلي الرأي في السعودية، وتطالب بالافراج الفوري عنهم، وقد يكون من قام بصياغة البيان الكندي المسيئ، قد وضع في خياله، أن الدول الغربية ستفسح مكانا لكندا لتتفضل بالجلوس علي مائدة وليمة الديمقراطية في الشرق الأوسط جنبا إلي جنب جماعات حقوق الدولار، التي تنتهك سيادة دول المنطقة، وتدس أنفها في شئونها الداخلية، بأكذوبة حقوق الإنسان، التي جعلت الإنسان حقلا لأسلحتهم وتجاربهم وديمقراطية الربيع العربي، التي هبت علي دول المنطقة ناراً وسعيراً.
براڤو السعودية لأنها أغلقت الأبواب أمام لاعب جديد أراد أن يكون له »نمرة» في سيرك الديمقراطية المزعومة.. وبراڤو مصر لأنها تمضي في طريقها، دون أن تنشغل بنباح قراصنة الديمقراطية، المدججة بالفوضي والخراب والدمار، فحقوق الإنسان ليست وجبة »تيك أواي» تقدمها مطاعم الديمقراطية الغربية وبجانبها البطاطس والكاتشب وزجاجات البيبسي المثلجة، ولكنها حضارة وثقافة وتاريخ، وشعوب تريد أن يعيش في أمن وسلام وطمأنينة، دون أن يفزعها رصاص الليل وتفجيرات النهار.
كندا.. لو انطلق صاروخ حوثي، مثل الذي تعبث به إيران في اليمن، فوق منطقة شلالات نياجراً الأقوي والأجمل في العالم، لانتفض رئيس وزرائها »جاستن ترودو»، مطالباً العالم بأن يساند بلاده ضد الإرهاب، وأعلن حالة الطوارئ القصوي، ونشر جيشه في الشوارع، حماية لبلاده ومواطنيه، ولكن »اللي ايده في المية مش زي اللي ايده في النار».
يبدو أن الديمقراطية عند هؤلاء الخواجات، أشبه بألعاب الكمبيوتر، التي يخترقون بها عقول شبابنا، بعد أن يعزلوهم عن موروثات أجيال الكبار، فيقولون لهم: »إذا لم تجرب متعة أن تكون بطلا للقصة لا مشاهدا فقط، فتأكد انك قد خسرت الكثير، ثم يعزفون موسيقاهم الصاخبة علي شرف حقوق الإنسان، ويختلقون أحكاما لا يعرفها سواهم، ويبتكرون أكاذيب تجني لهم ثماراً، وتحمل لنا خرابا.
كندا.. ألا تعلمين أن الرقص مع ذئاب الديمقراطية أشعل النار في دولة عظيمة اسمها سوريا، وشرد نساءها وأطفالها، وقتل بلدا كان سعيداً اسمه اليمن، ومزق دولة كانت متماسكة اسمها ليبيا، وذبح »عشتار» في أرض العراق.. ألا تستحق هذه الدول بيانا من بياناتكم الثورية مثل البيان الصادر ضد السعودية؟ فتدافعون عن حق الإنسان في الحياة، وأن يؤويه مسكن يقيه برد الشتاء ونار الصيف، وحقه في أن يستحم ويلبس ملابس نظيفة ويشرب كوب مياه مثلج.. حقه في أن يطعم أطفاله الصغار، ويحمي زوجته وأهل بيته.. بالمناسبة »عشتار» رمز الحب والجمال في العراق.
ملعونة تلك الديمقراطية التي جئتم بها إلينا، مغلفة بحقوق الإنسان، ومدهونة بشعارات كاذبة وكلمات مضللة، وكأن مشرحة الشرق الأوسط ينقصها قتلي، فأرادت كندا أن تملأ الفراغ المزيف، فتطالب السعودية بما ليس لها حق فيه، وتتهور وتندفع دون أن تحسب عواقب تدخلها السافر في شئون دول المنطقة، التي هي أحرص علي حماية شعوبها، والدفاع عن حياتهم واستقرارهم، بعيدا عن مثل هذه البيانات التحريضية، التي يستخدمها الغرب وسيلة للابتزاز السياسي.
براڤو السعودية، لان رد الفعل كان سريعا وحاسما، وبراڤو مصر التي تواجه جيش جرارا من المتاجرين بحقوق الإنسان، ويوظفون الشر والأموال والمؤامرات، للنيل من وطن أبي، قرر أن يستدفئ علي نار الربيع العربي، لا أن تحرقه.