زياد السحار
العلاج في مصر.. والشفافية المطلوبة
لم أصدق أن هناك قانوناً في مصر يتيح لبعض المستشفيات أن "تخرق" عين المتوفي لكي تنزع منها قرنية العين لزرعها لمريض لكي تعينه في عملية الإبصار.. والأدهي والأمر أن هذا القانون يجيز للمستشفي عدم استئذان المتوفي قبل موته أو أهله بعد موته.. ولكن كما صرح أحد كبار الأطباء الذي كان معاوناً لوزير الصحة وقت صدور القانون في عام 2007 أنه جري العرف أن يخبر المستشفي أهل المتوفي بعد قيامهم بنزع عينه!
وأعتقد أن كثيراً من الناس في مصر فوجئوا مثلي بهذا القانون الجائر وكان في مقدمتهم الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ كرم جبر كما جاء في عموده اليومي في جريدة الأخبار مشيراً إلي أنه رغم احتكاكه الصحفي الدائم بالحياة العامة لم يسمع عن هذا القانون.. وزاد أنه لو كان قد حدث لأحد أقاربه ما حدث مع أهل المتوفي الذين أثاروا هذه القضية مؤخراً وكانت صورة الدماء التي تفجرت من عين متوفاهم ببشاعة لكان قد قلب الدنيا ــ بالقانون ــ علي هذا المستشفي!
والحقيقة أني أشارك الكاتب الكبير غضبه من هذه الحادثة المؤسفة التي تهز ثقة الناس في مصر في المستشفيات. فما بالك بهذا الصرح الطبي العريق ــ قصر العيني ــ الذي يقترن في أذهاننا فنحن كنا أطفالاً في حقبة الستينيات أن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.. صحيح أنه قد حدث تطور طبي مشهود في هذا المستشفي ولاسيما في فترة وزارة الدكتور الراحل فؤاد محيي الدين وبمعاونة زميل دراسته الدكتور هاشم فؤاد رئيس كلية طب قصر العيني في هذا الوقت وخاصة بعد إنشاء فرع قصر العيني المعروف بالفرنساوي.. كما أن هناك نخبة ممتازة من الأطباء في هذا المستشفي يضارع الأطباء في مستشفيات أوروبا وأمريكا الذين يسعي الأثرياء وعلية القوم للسفر إليهم للعلاج للخارج.
ولكن أتصور أن مثل هذه الحادثة المؤسفة تعيدنا مرة أخري إلي نقطة الصفر بفقدان الثقة ليس في هذا المستشفي وحده بل في كل المستشفيات الحكومية وغير الحكومية ولاسيما وأن تجارب المرضي وذويهم مريرة في رحلات علاجهم ولاسيما الأخيرة منها قبل الوفاة بسبب الابتزاز المادي والتكاليف الباهظة للعمليات الجراحية وغرف الاقامة ومستلزمات العلاج والأدوية وخاصة في العناية المركزة التي يدخل فيها أهل المرضي في سباق مع الموت قبل العثور علي واحدة منها في أحد مستشفيات مصر.
¼ ¼ ¼
وفي تصوري أن القانون الجائر الذي صدر في غفلة من الزمان لا يجب أن يمر ببساطة في هذا التوقيت الراهن الذي تتعامل فيه الدولة مع ملف الصحة بشكل محترم لم تمر به مصر منذ فترة طويلة بعدما قررت البدء في تطبيق قانون التأمين الصحي هذا العام وجعلت لقطاع الصحة أولوية خاصة مع التعليم. وخاصة مع المبادرة الإنسانية الكريمة لرئيس الجمهورية بإنهاء ظاهرة قوائم انتظار العمليات العاجلة للمرضي وكذلك التصدي لعلاج الفيروسات الكبدية التي كانت تنهش جسد المصريين.
وبصراحة شديدة فإن بعض التصريحات التي صدرت عن هؤلاء المنتظرين من الأطباء الذين رفضوا الاعتراف بجرم هذا القانون بحجة أنه يحل مشكلة نقص القرنية وانقاذ فاقدي البصر وأن هذا المستشفي المصرح به بهذا القانون لا يحصل علي مقابل مادي في علاجه للمرضي وخاصة البسطاء.. هي بالتأكيد مبررات مغلوطة وغير مقبولة لأنها تفتح الباب لفوضي عمليات زراعة الأعضاء والاتجار بالبشر وتذكرنا بجرائم نبش القبور لبيع أجزاء من جثث الموتي لأطباء كليات الطب.. وتعيد إلي الأذهان جرائم ضعاف النفوس من الأطباء الذين يقومون بعمليات الاجهاض غير الشرعي ومثلهم من الصيادلة الذين يتاجرون في الأدوية المخدرة وأطباء البرامج الطبية في الفضائيات التي تبيع الوهم للمرضي وتخدع الناس الذين يئنون من وطأة المرض ويتلمسون قشة تنجو بهم من عذابات المرض الذي يسبق - في بعض الأحيان - عذاب القبر!
باختصار.. المطلوب ونحن نخطو خطوات جادة علي طريق توفير الرعاية الطبية اللائقة والعلاج الجيد لكل المصريين بغض النظر عن قدراتهم المادية فإنه من الضروري أن نفتح كل الملفات الكاملة لمسألة الصحة والعلاج في مصر ومراجعة كل القوانين القديمة والجديدة علي السواء بشفافية ومصارحة مع حوار مجتمعي موضوعي يعيد الثقة للمواطنين في مؤسساتهم العلاجية ويبعث ملائكة الرحمة من جديد الذين لا نراهم الآن إلا في أفلامنا العربية القديمة..!!