الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
(أسطورة) سيادة (عَلِى عَلُوكَّه)!
كان من بواكير الأدوار التى لعبتها الممثلة المغربية هدى إدريسي، ذلك الدور الذى جسدت فيه شخصية مذيعة تليفزيونية تُجرى حوارات شارع، وكان ذلك فى فيلم (اللمبي)، حيث قدم (محمد سعد) شخصيته الأشهر سينمائياً والأكثر إبداعاً، وكان يجب أن تكون (المذيعة /هدي) منفصلة تماماً عن الواقع، وفى تقديرى أسهمت الأصول المغربية للممثلة فى أن تُعَمِق حالة الانفصال عن الواقع المصرى المعاصر نهاية الألفية الثانية،قالت المذيعة: (فى إطار الحملة القومية للباعة الجائلين، نتعرض لبعض أصحاب عربات الكبدة لنتعرف على مصادر الأطعمة ودور وزارتى الداخلية والصحة فى ذلك)، وتوجهت بأسئلتها المُوَجَهَة إلى (اللمبي) صاحب عربة (سندوتشات الكبدة)، الذى من جانبه كان عليه أن يبدو المواطن المسئول مجاراة لأداءات المذيعة المسئولة أيضاً، عدَّل من هندامه وبدأ التصريح (الكبدة دى بالصلاة ع النبى طازة، ولسه الحيوان مقتول دلوقتى والكبدة خارجه من بطنه، ولو مش مصدقة دوقى السجق ساعدتك، وعندنا شهادة من الصحة والنضافة من الإيمان)، وبعد عام من إنتاج الجزء الأول من الفيلم، عادت نفس المذيعة حاملة كاميراتها ونفس التوجيه وتوجهت إلى السجن لمحاورة (اللمبي) المسجون بتهمة سرقة ملفقة، سألته لماذا لم يُفكر فى العمل، فأجاب واثقاً (مِشْ فاضي)، وردت بثقة أكبر (ده مبرر يخليك بلطجي؟) فأجاب بعفوية الواقع المأساوى (واحد مصاحب على عَلُوكَّه وأشرف كُخَّه عايزاه يطلع إيه طيار؟!).

ثم كان أن مرت عشر سنوات، وداهمت أوطاننا نسمات (ربيع) قيل إنه (عربي)، آمن به مخلصاً من آمن، وتاجر به قاصداً من تاجر، واستثمره كُثُر أعدوا للأمر عدته، فاستحالت نسمات الربيع ريحا سموما عاتية، بدَدَتْ الحلم المثالى وأسقطت غطاء الفساد والإفساد الذى جثم على صدر الوطن، وأخرجت لنا جيلاً من صنَّاع وعيٍّ يعتبرون مذيعة اللمبى هى (النموذج)، وقطعاناً من المريدين لـ (على عَلُوكَّه وأشرف كُخَّه)، وصار على كل من ثاروا فى وجه (اللمبي) حين صُنع بدعوى (تقديمه لنموذج مُسِف)، أن يواجهوا قطعان (عَلُوكَّه وكُخَّه) التى تسيدت بعدما منحتها ماكينات الإنتاج المالية صكوك النجومية والنموذج، وربما من الممكن اِلتِمَاس العذر لصاحب رأس مال يبحث عن الربح الفنى بغض النظر عن تأثير ذلك على واقع المجتمع، لكن الذى يبدو صادماً للضمير الوطنى هو أن (عَلُوكَّه وكُخَّه) باتا محل تقدير وتكريم من قبل مؤسسات رسمية!.

وكان أن استيقظ واقعنا على مواجهة إعلامية تقودها مسئولة الإعلام بديوان عام محافظة بورسعيد، والتى أكدت بحسب تصريحاتها لفضائية خاصة (تم استدعائى من المنزل تم تكليفى بمهمة إجراء حوار مع صبية يعملون بالتهريب كان التسجيل فى مبنى المحافظة وفى حضور ممثلين للجهات الأمنية وأمن الموانئ والتضامن الاجتماعى وحماية الطفل)، وفى التسجيل لم تخرج أداءات مسئولة الإعلام الرسمية عن أداءات مذيعة اللمبي، رغم أنها مصرية ومن بورسعيد وليست من المغرب مثل (هدى الإدريسي)، لكن المُفاجئ كان ما صورته وردود أفعال المهربين الصغار ما بين ضاحك وساخر و مواجه، جميعهم تعرف على (عَلُوكَّه وكُخَّه)، ولكنهم قرروا أن كليهما (موضة قديمة)، لقد دار الزمن وتطور الأداء وتحول (عَلُوكَّه وكُخَّه) إلى (إبراهيم الأبيض)، ثم اكتشفوا أنه نموذج يموت فى نهاية الفيلم، فقرروا أن يمنحوه فرصاً للحياة ليُصبح مرة (عبده موته) وثانية (قلب الأسد)، وثالثة (الألماني) ورابعة (ابن حلال) وأخرى (الأسطورة)، إنها جرعات من العشوائية الممنهجة حقنت الوعى الجمعى لجيل ما بعد الربيع العربي، ليكون مؤهلا لتصدر مشهد عصر (الفوضى الخلاقة)، ومواجهة عوار المجتمع الذى أنجبه بفجاجة، ومجابهة روتينية إدارته وخطابها بندية المُصِر على خطئه استناداً على أنه نبت إدارة أسقطته من حساباتها.

وكان أن كَلَ ناقوس الخطر من الدق على أسماع الألباب، ليس تحذيراً من مخاطر داهمة خارجية، وإنما نفيراً لتدارك مخاطر محدقة يقود معاول هدمها، (عَلُوكَّه وكُخَّه) بعدما طوَّرنا أدوات رفاقهم بأيادى العجز والإهمال والروتينية والرتابة الوظيفية والتردى الإعلامى والتسطيح الفنى والجمود الديني، إنها المخاطر التى تعيدنا إلى خريطة الطريق الوطنية المصرية المعلنة فى الثالث من يوليو 2013، حيث ميثاق الشرف الإعلامى الوطنى والمصالحة الوطنية الجامعة التى تستهدف البناء تجيشاً للطاقات وتعبئة للقدرات واستنفاراً للهمم، وكلاهما يمثل ترجمة مباشرة لمشروع وطنى لبناء مصر الجديدة، وإنقاذها من واقع (شبه الدولة) الذى خلفه (أشباه مواطنين)، وهؤلاء الأشباه لا يمكن أن يعالجوا خللاً ولا أن يُقَوِّمُوا إعوجاجاً، وهو ما يستلزم إعادة تأهيل كل واقف على ثغر، ليتمكن من إعادة تقييم عِلَلْ المواطن، بما يسمح بإنتاج خطاب يُشَخِص المرض دونما استهانة بالمريض أو تسفيه له، حتى لا تتسع (أسطورة) التشوه لُيصبح (عَلُوكَّه) مذيعاً يُحاوِرْ (كُخَّه) حول سُبُل تنصيب (عبده موتة) ملكاً على أشباه مواطنين.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف