الوطن
سحر الجعارة
«الزنا المقنن».. خلف الأبواب المغلقة!
كانت صديقتى لا تبالى كثيراً بحقوقها القانونية التى يكفلها لها الزواج الموثق، اكتفت بوعود «الحبيب التقى»، وبأن القانون يكفل لها -فى حالة الزواج العرفى- «حق إثبات النسب، وحق الطلاق»، وقبلت أن تكون «الزوجة الثانية»، مجرد «عشيقة شرعية»، تنعم بوجود الرجل الذى أحبته وسكن حروفها وأحلامها واحتل حياتها.. ما دام الزواج معلناً، وما دامت معه فليس لها فى الحياة مطلب آخر.

وفى المقابل خسرت أسرتها التى رفضت أن «يعبدها سراً» و«يلعنها جهراً»، خسرت الكثير فى حياتها المهنية، لكنها كانت راضية، مستسلمة، حتى تحوّل الحب إلى «استبداد»، واعتقلها الزوج بغيرته المجنونة، وكأنه يعاقبها على ثقتها، على غفلتها. لكن طريق الرجوع لم يعد ممكناً بعد كل ما قدمته من تنازلات. لقد خسرت كل الخيارات، فعقدت رهانها الوحيد على أن يفى بوعده ويحول زواجهما إلى «زواج رسمى»، ويمنحها طفلاً يصبح جملة الربط التى تجمعهما، وبشارة الخلود التى تتوجها أماً، فأمومتها كانت «التعويض العادل» عن حياة الخليلة التى ارتضتها.. آية الحب التى لم تتجسد بعد!

ومع أول صدام بين عاشقين يتمزق أحدهما بـ«غيرة» كان الطلاق. الآن فقط تتذكر أنه تزوجها بورقة زواج واحدة احتفظ بها وحده، وكأنه يتحسّب لكل الاحتمالات خشية على مركزه الاجتماعى وأطفاله وزوجته الأولى، تتذكر كلماته وهو يصف وجعه وألمه حين أحرق «ورقة الزواج»، تلك الورقة التى كانت تحسبها «الميثاق الغليظ»، و«عنوان الحلال»، وحقهما فى أن يكونا معاً رغم الظروف وألا يسطرا حروف الفراق بإرادتهما!

قبل أن يمر أسبوع جمعهما الشوق مجدداً، عادا زوجين، ولكن بصيغة مختلفة، فكل ما فعله الزوج أنه أبلغ الشاهدين دون أن يحرر ورقة أخرى، ولم يحقق وعده بالزواج الرسمى، وتكرر الطلاق (الذى كان يبلغها به من خلال صديقة دون أن تسمع كلمة «أنت طالق»)، وتكررت العودة بنفس المنهج.. حتى وضعتهما الظروف فى مواجهة حادة: إما الزواج الرسمى الآن أو الفراق إلى الأبد!! فكان الفراق، لتفيق على أنها أهدته ربيعها ورحيقها، وأنها لم تكن تعرف هل كانت «جاريته المطيعة» أم «مليكته المتوجه»، ودخلت دوامة الأسئلة، ثم غرقت فى حالة «اكتئاب».

لم يعد ممكناً أن تعود للحياة إلا بتحقيق ذاتها، أصبحت مرعوبة من فكرة «الزواج».. كانت شغوفة بالإنجاب، لكنها وضعت شرطاً قاسياً على أى رجل: «أن تحتفظ بعصمتها فى يدها»، لكن حتى هذا لم تتمكن منه، لأنها ظلت «أسيرة» له، بروحها وعقلها وجسدها أيضاً. بعد عشر سنوات كانت تناقش واحداً من أبرز علماء الدين، وروت له ما حدث، فقال لها: أنت تزوجت لمرة واحدة، وفى باقى المرات التى عُدت فيها لزوجك دون حتى «ورقة عرفية».. كنت تعيشين معه فى حالة «زنا»!

وهنا أحست بأنها «حالة» من بطلات فيلم «لحم رخيص»، وأنها فى مشهد غامض وملتبس ما بين الحلال والحرام.. راجعت كل ثانية، كل ليلة قضتها معه، لتكتشف أنها أصبحت «ضد نفسها»، وأنها فقدت «اليقين المطلق» بسطوة الدين على سلوكيات البشر، وأن المولى عز وجل قد أوقع عليهما «عقوبة الفراق» لأن الزوج تلاعب بأوراق عرفية وشهود «لم يرَ أحدهم شيئاً»، وصمم ديناً على مقاس نزواته وطموحه ومركزه الاجتماعى!

ربما كرهت القانون الذى قنن «الزواج العرفى»، رغم ما فيه من إيجابيات تنصف البنات القاصرات اللاتى يتزوجن بالأثرياء العرب فيما يسمى بـ«الزواج السياحى»، ربما كرهت «عالم الدين» الذى واجهها بجرمها، أو كرهت طليقها.. لكنها لم تضع نفسها أبداً فى خانة «الضحية». لقد خدّرها سحر الحب، حتى أفاقت بلطمة موجعة، أنها «لم تكن له حلالاً ولا ممن يتزوجون»!

هذا المجتمع المتناقض الذى لم يستمع للرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وهو يدعو إلى سنِّ قانون يحد من «الطلاق الشفوى»، قائلاً: «إن المجتمع به الكثير من القضايا الخطيرة، منها وصول نسب الطلاق إلى 44%، وهذا يعنى أن كل 100 حالة زواج تشهد نحو 50 حالة طلاق».. لا يعرف ما الذى يدور خلف الأبواب المغلقة من «زواج شفهى».

والدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، الذى رفض فى بيان حاد اللهجة «توثيق الطلاق» لا يعرف كم بيتاً يعيش فيه الأزواج منفصلين شرعاً «دون توثيق».. فهل هذا هو «الشرع» الذى يسعى لتطبيقه؟

خلف الأبواب المغلقة: «شجار وعراك وأطفال يعانون العنف الأسرى، ونساء يعشن فى مساحة رمادية بين الحلال والحرام، ورجال يتعنتون فى استخدام حق الطلاق... إلخ)، لكن المجتمع تواطأ مع «المظاهر الكاذبة»، بدلاً من تقنين الطلاق وتوثيقه، وارتضى أن يكون لديه ملايين المطلقات فى سن الثلاثين وما دونها، وملايين الأطفال بدون أم أو أب، والسؤال: لماذا؟

لأن فضيلة الإمام «الطيب» قرر أن يحكم الوطن من الباطن، حتى لو أبقى على أسر «آيلة للسقوط» تمارس الزنا أو المتعة.. لأن «الطلاق لا يوثق»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف