سمير رجب
هذا الزحام الهائل لسداد الضريبة العقارية
يعكس دلائل عديدة
رغم أنها لم تسلم هي الأخري من الإشاعات الخبيثة
سيجيء الوقت الذي نتحول فيه إلي مجتمع متكافل بمعني الكلمة
خصوصا بعد تطوير التعليم والإصلاح الصحي
ولكن: التنظيم الجيد.. ضرورة
أيضا حسن التعامل مع الجماهير
بصراحة.. منظر لم أكن أتوقعه أبدا ..
إن تزاحم الناس أمام مقار سداد الضريبة العقارية لدفع المبالغ المقدرة علي شققهم أو فيلاتهم .. أو محلاتهم .. إنما يعكس دلالات عديدة :
* أولا: أن مصر تتغير - بحق- لا في الشكل أو المظهر بل في الجوهر والمضمون .. ودعونا نعترف بأنه حتي وقت قريب كان "التهرب" الضريبي أو الجمركي بمثابة سلوك عام لدي الأغلبية ..!
ربما بسبب انهيار الخدمات..وإحساس المواطنين بأن ما يسددونه من أموال إنما يذهب سدي.. بينما المفترض أن ينعكس علي حياتهم المعيشية في شتي المجالات.
* ثانيا: تعمق الانتماء .. فلا جدال .. أن الفرد إذا ما فقد الانتماء للوطن فالأشياء -كل الأشياء- عندئذ تصبح بلا قيمة إذ يتساءل الإنسان بينه وبين نفسه: لماذا أؤدي واجباتي بينما حقوقي ضائعة .. أو تائهة والعكس هو الصحيح.. فكلما استشعر المواطنون -كل المواطنين - أنهم يعيشون علي نفس الأرض وتظلهم نفس السماء.. وأن أحدا منهم لن يحرم من نصيبه العادل في الدخل القومي سواء كبر أو صغر .
أقول كلما استشعر المواطنون ذلك سرت في شرايينهم تلقائيا دماء الإيثار والتعاطف الوجداني والمودة المشتركة بين بعضهم البعض .
* ثالثا : هذه المشروعات العملاقة التي أقامتها مصر خلال الأربع سنوات الماضية .. والتي كانت مثار اعتراض أو انتقاد البعض قد حققت نقلة نوعية كبيرة .
مثلا شبكة الطرق التي عمت أرجاء البلاد لم تكن بهدف الوجاهة .. أو المنظرة .. بل قد فتحت منافذ الرزق .. وجذبت المستثمرين .. وخلقت ارتياحا داخل النفوس بأن الدولة تبذل جهدها لتوفير سبل الراحة لأبنائها بما فيها سلامتهم .. وأمنهم .. وحماية اقتصادهم..!
* رابعا: لقد بدأ المجتمع بصفة عامة يدرك أن الإشاعات التي تتردد بين كل آونة وأخري .. لا تصب في بوتقات المصلحة العامة أو الخاصة .
ولعلنا جميعا نعلم أن الضريبة العقارية لم تسلم هي الأخري من تلك الشائعات السخيفة حيث أخذت مواقع التواصل الاجتماعي إياها تتناقل حكما مزورا للمحكمة الدستورية ينفي قانونيتها .!
واضح طبعا .. أن الناس لم يقيموا وزنا لتلك الشائعة ولم يضعوها في اعتبارهم .. وإلا ما كانوا قد تدفقوا جماعات وفرادي لسداد مستحقات الدولة.
***
من هنا فإنه سيجيء قريبا الوقت الذي نتحول فيه إلي مجتمع متكافل بكل ما تحمله الكلمة من معني.
نعم.. لقد نشأنا منذ زمن طويل علي المحبة المتبادلة وعلي معاونة الكبير للصغير وعلي تغليب الإيثار علي الأنانية .. لكن للأسف جاءت حقبة زمنية فقدنا خلالها كل تلك السمات الفطرية .
بكل المقاييس عندما تبدأ بشائر تطوير التعليم في الظهور ثم دخول هذا التطوير إلي عالم الواقع.. وكذلك بعد أن يأمن الإنسان علي غده وغد أبنائه وأنه أبدا لن يترك فريسة للمرض إذا ما تعرضت صحته لطارئ لا قدر الله..
عندئذ .. ستتغير السلوكيات إلي الأفضل .. ويسمو الفكر كثيرا كثيرا..!
***
في النهاية تبقي كلمة:
ما دمنا متفقين علي أننا نسير علي مبادئ ثابتة .. وأسس وقواعد واضحة ومحددة فإنه لا يليق أبدا .. أن يشهد هذا الإقبال الحضاري .. خروقات أو ثغرات أو .. أو ..!
"يعني إيه".. أن يتخبط هؤلاء الذين جاءوا عن رضا وطيب خاطر في بعضهم البعض نتيجة سوء التنظيم.. وغياب الإدارة السليمة..؟!
وكيف.. وكيف .. يتعامل الموظفون مع هذا الجمع الغفير بصلافة وكبرياء .. و.. وقلة ذوق..؟!
أبدا.. أبدا .. هذا غير مقبول وإذا كان وزير المالية يطلع علينا بين كل آونة وأخري للحديث عن الضريبة الواجبة وعن موعد سدادها وعن الغرامات المستحقة في حالة التأخير فالمسئولية تفرض عليه وضع أساليب التيسير لا التعقيد .. مع ضرورة توفير أقصي واجبات الاحترام للمواطن الذي يجب أن نضعه فوق رءوسنا لأنه يؤدي واجبه خير ما يكون الأداء .. ولا ندفعه دفعا للتخاذل .. أو التراجع..أو التسويف أو التأجيل..!
رفقا بالقوارير .. أيها السادة..!