السيد البابلى
الصحافة.. والكتاب.. والأب الحائر..!
هل يقبل القراء علي شراء الصحف في العيد؟ وهل هناك في الأجازات من يتطلع إلي متابعة الأخبار والتحليلات والمقالات.. أم أن الناس عموماً قد أهملت القراءة بصفة عامة ولم تعد تقرأ بقدر ما تريد أن تسمع وتشاهد وتكون أيضاً شريكاً في الحوار؟!
إن القراء يتناقص عددهم يوماً بعد آخر والذين يواظبون علي القراءة هم بقايا جيل اعتاد شراء الصحف ويعتبرها جزءاً من منظومة حياته اليومية.
أما الشباب فإنه قد أصبح من النادر أن نجد منهم من يحمل صحيفة أو يجلس لقراءة كتاب جديد لمؤلف يقدم عصارة فكره وعلمه وخبراته في كتاب لم يعد هناك من يحتفي بصدوره..!
ومشكلة الصحافة أنها لم تستطع أن تعثر بعد علي الوصفة السحرية التي يمكن أن تجذب إليها قراء جدداً. ومازال معظم الصحف تعيش في إرث الماضي بموضوعات واهتمامات ومتابعات بعيدة عن الاهتمام والتأثير.
ولن يكون في مقدور الصحافة المطبوعة الخروج من أزمتها الحالية إلا بثورة إداعية احترافية تحقق التلاحم بين الصحافة والمجتمع وتكون صوتاً وضميراً معبراً عن آمال وتطلعات القراء.
وهذه الثورة الإبداعية لن تنفجر إلا بطاقات احترافية مهنية مؤهلة لشكل ومضمون جديد يأخذ في الاعتبار المنافسة القوية للإعلام البديل عبر السوشيال ميديا التي يزداد نفوذها وتأثيرها وانتشارها بقفزات هائلة في السنوات الأخيرة.
***
وقد يكون للصحافة بعض من البريق مازال موجوداً. وقد يكون هناك خدمات تقدمها الصحف ولا غني عنها مثل الملاحق التعليمية والاقتصادية والإعلانية. ولكن الكتاب هو من يواجه المشكلة الأكبر في أسعار الطباعة والتوزيع وقلة عدد القراء.
ولا يوجد إقبال يشجع علي حركة التأليف والنشر والترجمة. وأي مؤلف يجد معاناة بالغة في إقناع دور النشر بجدوي طباعة كتابه وتوزيعه.
وبعض المؤلفات لا يباع منها إلا عدد من النسخ لا يتجاوز أصابع اليدين. وبعضها الآخر لا يشتريه إلا المؤلف لكي يقوم بإهدائه إلي أصدقائه ومعارفه من الذين يحتفظون بالكتاب للذكري وليس للقراءة.
ونحن بذلك أمام مشكلة لعدم وجود من يقرأ ومن يطلع ومن يهتم بما هو جديد.
وحتي الكتب الدراسية وخاصة الجامعية فإن الطلاب لا يقبلون علي قراءاتها كاملة ويفضلون أن يقوموا بحفظ الأجزاء التي يختار منها الأستاذ الجامعي أسئلة الامتحانات بعد أن يقوم بحذف الأجزاء الأخري تسهيلاً علي الطلاب وللحصول علي رضائهم أيضاً.
والنتيجة أننا أمام أجيال جديدة غير مؤهلة ثقافياً لكي يكون لديها الرؤية وصياغة واقع مختلف..!
والنتيجة أيضاً هي أننا أمام أجيال فقدت معالم الطريق لأن الكتاب كان هو الموجه والمعلم وخارطة الطريق.
ونقولها بكل الصراحة.. نحن في مفترق طريق لأزمة ثقافة وأزمة فكر وأزمة إدراك بعد أن أصبح العقل معطلاً والوعي غائباً.. وهو مناخ يخلق البيئة المناسبة للشائعات والأخبار الكاذبة وهدم المجتمع من الداخل لأن دفاعات العقل والمنطق أصبحت في خبر كان..!
***
ونترك الصحافة ومتاعبها.. ونتحدث عن الأب الذي ذهب يجري اختباراً سمعياً لابنه الذي تأخر في النطق فأخبروه أن ابنه قد ولد أصماً وأنه لن يتمكن من السمع إلا بزراعة قوقعة الكترونية تساعده علي سماع الأصوات.
والأب اعتقد أنها مجرد جراحة وبعدها يصبح ابنه سليماً مثل كل الأطفال وقادراً علي النطق والكلام.
وأخرج الأب كل مدخراته.. وباع ذهب زوجته.. وأجري جراحة زراعة الأذن الالكترونية لطفله.. وخرج الطبيب يبشره بنجاح العملية.. ومبروك ياحاج..!
وانتظر الأب لعدة أشهر أن يجد من طفله استجابة وأن ينطق بعد الصمت الطويل..
والطفل لم يتحدث ولن يتحدث إلا إذا كان هناك تدريب خاص بعد الجراحة. ولن يتحدث إلا إذا ما كان هناك أحد الفنيين المتخصصين موجوداً لضبط ترددات جهاز السمع الالكتروني علي مدار عدة جلسات ومحاولات.
والأب لم يجد من يدرب ابنه أو يقوم بضبط جهاز السمع.
والأب وجد أن تكلفة ما بعد الجراحة أكبر من تكلفة الجراحة نفسها.. وأن أحداً لم يخبره بذلك قبل أن ينفق كل مدخراته في جراحة لم تقدم لطفله الكثير.
والأب ذهب لوزارة الصحة فلم يجد لديهم مراكز لتدريب وتأهيل الذين يزرعون السماعات الالكترونية.. والأب ذهب للجمعيات الخيرية يطلب المساعدة.. والأب يسأل ويتساءل.. ماذا يفعل ومن يقدم له روشتة العلاج والمتابعة.. والأب ينتظر الفرج.. والفرج موجود ولكنه مكلف جداً وليس في مقدور ذوي الدخول المحدودة حتي ولو أجروا العملية كلها مجاناً علي نفقة الدولة. فليس مهماً إجراء الجراحة ولكن المهم هو ما بعدها..!