الأهرام
د. عمرو عبد السميع
المصيفون فى الأرض
هل تتذكرون المشروع الرئاسى برسم خريطة إدارية جديدة لمصر؟ لقد كان يكفل وجود منفذ على البحر لكل محافظة، ولكن أعاق تنفيذه اعتياد اللجاج والرغى والاحتجاج عند الناس والادعاء بأن وضع محافظة طبقا لذلك التقسيم سيكون أفضل من الأخرى.. المهم ذاب هذا المشروع ولم يتحقق، ومن ثم حُرمت مصر من إمكانية وجود مصايف شعبية فى المحافظات، بينما العالم كله يعرف فكرة وجود تلك المصايف الشعبية مثل بلاكبول فى بريطانيا وما سبق وأشرت له عن جمصة وبلطيم فى مصر زمان، وربما يقول لى قائل إن السواحل موجودة فى كل مكان فلماذا لا يذهب الناس إليها، وهذا قول قاس ومغلوط لأن المصايف تلزمها إعدادات خاصة وتوفير لوسائل التسرية والمتعة مثل كون بلاكبول هى مدينة الألعاب النارية، التى تتاح فيها فرص التنزه على الشواطئ بالعربات التى تجرها الخيول والحمير، يعنى تجهيز الشاطئ بما يلائم إنسانية البنى آدمين واحتياجهم الداخلى للعب والمرح سعيا إلى تجديد النشاط والاحتشاد للعمل، ومادام الناس (الطبيعيون) والعاديون لا يستطيعون التصييف فى قرى الأثرياء فى الساحل الشمالى والبحر الأحمر التى يصل ثمن الوحدة السكنية فيها إلى عشرات الملايين من الجنيهات وهو أمر لا يطيقه إلا الأثرياء، ومادمنا نحجم ـ حتى الآن ـ لأسباب فوق إرادتنا أو قدرتنا فيما يبدو، عن سؤال أولئك الأثرياء عن مصادر ثرواتهم التى تتيح لهم كل ذلك الإنفاق المجنون، وممارسة كل تلك الأنماط الفاجرة من الاستهلاك والسلوك التى تحفل وتزخر بها منتجعات الأغنياء والذين قاموا بتهريب أموالهم إلى الخارج وغسيلها وتبييضها وعادوا ببعضها إلى مصر ليمارسوا كل ذلك السفه الباذخ، فقد صار علينا أن نفى بحق الفقراء فى المتعة وإمضاء بعض أيام الصيف على الشواطئ الفقيرة، وإن كنت أرى أن ذلك الفكر سيعمق ـ فى النهاية ـ الهوة بين شعب الأغنياء وشعب الفقراء من ترك أولئك الفقراء يتقلبون فى أودية الحرمان حتى من أبسط حقوقهم فى إسعاد أنفسهم وإشعار أولادهم أن لهم حقوقا يستطيعون الحصول عليها، وأنهم ليسوا منبوذين محاصرين معزولين فى هذا الوطن السعيد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف