الجمهورية
ماجدة موريس
فنانان كبيران .. وقصة صداقة
صبيان يلتقيان في قاهرة الأربعينيات.. ويتسربان من محيط أسرتيهما إلي عالم أحباه وعشقاه. وتبعدهما الأيام عن بعضهما البعض.. ويهاجر أحدهما مع أسرته إلي بريطانيا. ويستبدل لندن بالقاهرة. ولكنه لا يكف عن اللعب مع صديقه في مصر. عبر الخطابات التي يكتب فيها كل ما يحدث له كما يعلق علي سلوكيات الصديق إذا تأخر في الرد. وقد يشتمه إذا لم تعجبه ردوده. ويستمر التواصل ويكبر كل منهما ويصبح حبهما لعالم السينما هو الهدف والبوصلة التي قربت البعيد. فقد عاد محمد أو ــ ميمي ــ الصغير بعد أن درس السينما بلندن ليعمل في القاهرة التي رأي فيها أحلامه مبكراً. وعمل فوراً في قسم السيناريو بالشركة العامة للإنتاج السينمائي. قبل أن يبدأ مع صديق عمره. في البحث عن وسيلة للاقتراب من العمل في صناعة الأفلام التي أحبها وعاش حياته متيماً وباحثاً ومشاهداً لها. بل وكان يرسل لصديقه آرائه النقدية لكل فيلم يراه في لندن من الأفلام الأمريكية والأوروبية. ولنعرف نحن في مصر. بعدها. وفي العالم العربي اسمي محمد خان المخرج. وسعيد شيمي. مدير التصوير السينمائي.. وهذه الكلمات هي لمحة بسيطة من الكتاب المهم الذي صدر أخيراً عن دار الكرمة. لرحلة الصديقين. الذي كتبه سعيد شيمي. في توثيق لعلاقة صداقة بين طفلين. ثم شابين أصبحا مبدعين كبيران قبل أن يرحل أحدهما. وهو محمد خان في 26 يوليو عام 2016 وعنوان الكتاب دال علي هويته "خطابات محمد خان إلي سعيد شيمي" وتحت هذا العنوان عنوان ثان "الجزء الأول ــ مشوار حياة" وهو ما يعني أجزاء أخري قادمة. وفي مقدمته للكتاب يؤكد شيمي أن "هذه الخطابات. ومعها مستندات وصور". ستصدر في عدة أجزاء لكثرتها وأهميتها. فهي بالإضافة لكونها سيرة فنان سينمائي عظيم. محمد خان. فهي أيضاً حياة ورصد للزمن الذي عشناه معناً وكان له أكبر الأثر في تكويننا الثقافي والاجتماعي والوطني.. ويؤكد سعيد شيمي كلماته بصور في غاية الأهمية. في هذه المقدمة بادئاً بصور عائلة بطل الكتاب. أي خان. الشخصية وليفتح لدينا.. نحن القراء ملفاً أثار جدلاً بين محبي السينما وجمهورها وهو لماذا تأخر حصول محمد خان. المخرج السينمائي المصري الكبير. علي الجنسية المصرية. لكننا في هذه الصور نري والده حامد حسن خان. في شوارع القاهرة. وكذلك صور الأم حسنية خان. وصور الأسرتين معاً علي شاطئ سيدي بشر بالإسكندرية. وتضيف الكلمات بعداً آخر إلي الصور "الحقيقة أنا لا أعلم متي حضر عمي حسن خان إلي مصر. ولكن هو موجود قبل قيام دولة باكستان عام 1947".. وهكذا يكشف الكتاب أن مصر كانت دائماً هي ملاذ للكثيرين.. وقد قال له والده مرات عديدة "إن بلده هي مصر.. وهو يحمل شهادة ميلاد مصرية"
أين خطاباتي؟!!
عالم الصداقة بين خان وشيمي عبر الخطابات الورقية. قبل ظهور الإنترنت. اتسع وتجاوز العلاقة الشخصية والعائلية ليتحول إلي سجل فني للأفلام. التي كانت تعرض في العالم. وبعضها لم يعرض في مصر.. و"بمرور الزمن تكونت عندي معرفة بكثير من الاتجاهات الفنية حتي قبل نشاط نادي سينما القاهرة" وهكذا تحولت الصداقة إلي معرفة وثقافة. حتي أصدر خان وهو في لندن عام 1969 أول كتاب عن السينما المصرية باللغة الإنجليزية باسم"مدخل إلي السينما المصرية".. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من أهمية هذا الكتاب يأتي من تصوير سعيد شيمي للحياة التي عاشها هو وصديقه في مرحلة الطفولة. وملامح العلاقات الاجتماعية للطبقة الوسطي المصرية في زمن الأربعينيات. وما تؤدي إليه من تناغم وتآلف بين بشر قد يكونون مختلفين كثيراً. وهي النتيجة التي وصل إليها الكاتب وصديقه في النهاية.
من الممتع أيضاً في إطار هذه العلاقة اختيارات سعيد شيمي للمواقف. والأحداث من خلال السنين التي بدأت بعد رحيل خان عن مصر مع والديه بادئاً بفصل. أو عنوان "اختبار قوة الصداقة". وبعده "تحديد المستقبل". وفي الفصل الثالث يصبح العنوان هو "الاعتماد علي النفس". وبعده "نوستالجيا مصر". ثم "عام الأمل". و"الرحيل في فبراير.. والعودة في أكتوبر". وبعده "البهدلة اللبنانية" وأخيراً "الرجوع إلي لندن.. والآلام" وقد بدأ أول فصل عام 1959 واستمر الترتيب حتي عام 1966.. ويقول الناقد السينمائي محمود عبدالشكور الذي كتب في المقدمة كلمة بعنوان: "أحلام خان وسعيد".. إنه كتاب "فيه حرارة الذكريات. ودفء الصداقة. وجمال اكتشاف الفن والحياة.. وهو إضافة حقيقية للمكتبة السينمائية وللحياة الثقافية عموماً".. وأضيف الحياة الاجتماعية أيضاً.. أما كيف جاءت فكرة الكتاب نفسه. فقد كان سببها هو محمد خان الذي سأل صديقه وهما يجلسان صباحاً بكافيتريا بالمعادي: هل مازلت تحتفظ بخطاباتي؟!.. فأجابه بنعم.. وإن كان يظن أن الفئران قد وجدتها طعاماً شهياً.. فطلبها منه بحسم "عايز أقرأها".. وقد حدث هذا قبل وفاة خان بوقت قصير.. وكأن المخرج الراحل أراد أن يسترجع الماضي البعيد وهو علي وشك الرحيل. خاصة بعد الأزمة الصحية التي تعرض لها عام 2015. ليرحل بعدها بعام. وليبدأ صديق عمره في فتح ملفاتهما معاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف