الجمهورية
عبد القادر شهيب
محمد رئيساً لإسرائيل !!
هذا ما قالته صحيفة إسرائيلية إن الرئيس الأمريكي ترامب قال لملك الأردن عبدالله. ردا علي ملاحظة الملك عبدالله الخاصة بأن الفلسطينيين يحبذون الآن حل الدولة الواحدة. وليس حل الدولتين!.. وإذا صح ذلك المنسوب لترامب فإنه يستحق وقفة أمامه لأنه ينطق بعنصرية أمريكية صارخة وصادمة!.. فإن الرئيس الأمريكي حسب الصحيفة الإسرائيلية قال ذلك للسخرية من مثل هذا الاحتمال الذي يتضمن تولي فلسطيني عربي غير يهودي رئاسة أو حكم تلك الدولة الواحدة التي تضم الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود معا.. أي أنه لا يستبعده فقط وإنما يتعجب له. رغم أنهم في أمريكا يتباهون بأن أي شخص يحمل الجنسية الأمريكية في مقدوره أن يصل إلي أعلي وأرفع منصب فيها. وهو رئيس الجمهورية. مثلما فعلها أوباما الأفريقي الأصل والأسمر البشرة!
ألا يجعلنا ذلك الكلام نتشكك في كل ما يقال ويروج لنا أمريكيا حول قيم المواطنة والعيش المشترك والمساواة بين الجميع رغم اختلاف الجنس والانتماء الاجتماعي والجغرافي والسياسي واللون والعقيدة والدين.. فها هو ترامب لا يتصور مجرد احتمال أن يتولي فلسطيني عربي غير يهودي حكم دولة واحدة تضم الفلسطينيين العرب بمسلميهم ومسيحييهم مع الإسرائيليين اليهود. في الوقت الذي لا يستهجن أو يستنكر أو يندهش لإصرار الإسرائيليين اليهود علي التحكم والسيطرة علي ملايين الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيين. واحتلال أراضيهم ورفض منحهم حقهم المشروع في الاستقلال مثل بقية شعوب العالم. حتي صاروا هم الشعب الوحيد المحتل حتي الآن. والأكثر من ذلك الشعب الوحيد الذي يرزح تحت عنصرية بغيضة تحرمهم من ضرورات الحياة الآدمية.
ترامب مع دولة دينية يهودية. ولذلك سكت علي قانون يهودية الدولة الذي أصدره الإسرائيليون مؤخرا ويسكت علي حصارهم لقطاع غزة والتنكيل بأهالي الضفة. واعترف باستيلائهم علي القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها. وعاقب السلطة الفلسطينية لمجرد أنها رفضت ذلك ورأت أن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها بانحيازها السافر الصريح والفج لإسرائيل.. أليست هذه هي العنصرية بكل ما تحمله الكلمة من معاني مؤلمة؟!.. وهل في مقدورنا بعد ذلك أن نصدق ما يقال لنا أمريكيا حول تلك القيم الإيجابية الجميلة. وذلك الدفاع عن حقوق الإنسان؟!
إن الرئيس الأمريكي يستنكر أبسط حق للإنسان الفلسطيني العربي ويسخر منه بهذه الطريقة التي لا تراعي مشاعر ملايين العرب سواء مسلمين أو مسيحيين.. فكيف نطمئن حقا وصدقا لما يقولونه لنا حول حقوق الإنسان التي يقدمون أنفسهم هم المدافعون عنها والمحافظون عليها. بل ومعاقبة من لا يحترمها من وجهة نظرهم أو طبقا لتقديراتهم؟!.. إن ذلك يضيف لنا سببا آخر للاقتناع بأن حقوق الإنسان لدي الأمريكان مجرد أداة أو وسيلة لتحقيق المصالح الأمريكية فقط.. تستخدمونها عندما يريدون ممارسة الضغوط علي بلد. ويغضون الطرف عنها ويتجاهلونها عندما يجدون أن ذلك يحقق مصالحهم. مثلما فعلوا كثيرا مع حكومات ديكتاتورية صارخة. وأيضا مثلما فعلوا ومازالوا يفعلون مع العنصرية الإسرائيلية.
والأخطر من ذلك أن سخرية الرئيس ترامب من تولي فلسطيني عربي رئاسة إسرائيل يشي بما يضمره للفلسطينيين ولكل العرب في مشروعه لتسوية القضية الفلسطينية. وهو المشروع الذي عرف إعلاميا بصفقة القرن. والذي يتردد إعلاميا أيضا أنه ينوي الكشف عنه بالكامل الشهر القادم خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو علي هامشها.. فإذا كان ترامب يري أن الإنسان الفلسطيني العربي. مسلماً أو مسيحياً. لا يرتقي إلي مستوي الإنسان الإسرائيلي اليهودي. فلنا أن نتوقع أن يكون مشروعه ليس حلا للمشكلة الفلسطينية وإنما تصفية لها. وذلك بسلب الفلسطينيين أبسط حقوقهم المشروعة في الحرية والاستقلال. وأن يكون لهم وطنهم ودولتهم الخاصة بهم.
وتوقعاتنا هنا ليست من فراغ.. فقد استبقي ترامب مشروعه الذي يتحدث عنه ويلوم به في وجوهنا منذ عام باتخاذ القرار الذي لم يقدر علي اتخاذه من سبقوه من سكان البيت الأبيض. وهو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. بل ونقل السفارة الأمريكية إليها. ثم تأييد يهودية الدولة في إسرائيل ليجهز علي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلي أراضيهم التي طردوا منها. أو حتي القبول بتعويضات لهم.. والآن لم يتبق من حل الدولتين سوي مساحة الأرض. والتي تسعي إسرائيل إلي تقليصها يوما بعد الآخر بزرع أراضي الضفة الغربية بالمستوطنات اليهودية.. أليس ذلك تصفية بالفعل لحق الفلسطينيين المشروع في دولة مستقلة علي أراضي الضفة وغزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية؟!
إن ما تسرب إعلاميا حتي الآن حول مشروع ترامب أو صفقة القرن يتحدث عن دويلة فلسطينية بحدود مؤقتة تضم قطاع غزة ونصف مساحة الضفة الغربية ولا تشمل القدس الشرقية التي قد تكون أراضي أبوديس بديلا لها. وأن يكون لإسرائيل السيطرة علي حدودها المؤقتة وعلي مياهها وسمائها أيضا. وفي مقابل ذلك تتوقف أي أشكال حتي ولو كانت سلمية للمقاومة الفلسطينية. ويتم توطين اللاجئين الفلسطينيين خارجها. يعترف كل العرب بإسرائيل ويقيمون علاقات طبيعية معها ويتنازلون عن أي حقوق في الإشراف عن الأماكن المقدسة بالقدس الشرقية. بعد إمكانية تدويلها. وهذا لا يمكن أن يقبل به الفلسطينيون. وبالتالي لا يستطيع العرب القبول به بالطبع. وهذا ما أكده الرئيس السيسي خلال مناقشات مؤتمر الشباب الأخير بأن مصر تدعم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية علي حدود 67 لكن هنا لابد علي العرب أن يتوقعوا أي قرارات مفاجئة من ترامب تضع المنطقة علي المحك الشهر المقبل أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟!.. لقد تأخر ترامب حتي الان في إعلان صفقته لأن المشاورات التي أجراها عبر مساعديه ومبعوثيه أو بشكل مباشر مع عدد من العواصم العربية كشفت له أن ثمة اعتراضا مصريا وثمة تحفظات سعودية. وأردنية.. فهو يسعي لتجاوز الاعتراض المصري والسعودي والأردني.. غير أن ترمب عوَّدنا من قبل أنه قد لا يكترث بذلك. مثلما حدث عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل رغم التحذير العربي من مثل هذه الخطوة وتداعياتها.. خاصة وأن ترامب قد يري أنه لن يستطيع تجاوز اعتراض مصر والسعودية والأردن وهذا يمكن استنتاجه مما قاله الرئيس السيسي حول أن مصر لا تقبل إلا بما يقبل به الفلسطينيون.. ولذلك قد يجد ترامب الذي كشف عن دعمه اللامحدود لإسرائيل خلال وجوده في البيت الأبيض إلي فرض الأمر الواقع وطرح مشروعه أو صفقته في ظل هذه الاعتراضات الفلسطينية والمصرية والعربية.. فكيف يكون التحرك؟ خاصة أن لنا أن نتوقع تداعيات في الأراضي الفلسطينية. سواء في غزة أو الضفة أو القدس الشرقية. وفي المقابل لنا أن نتوقع أيضا إجراءات إسرائيلية عدوانية جديدة تشعل الأراضي المحتلة. بل وقرارات أمريكية غاضبة. في ظل الفشل الذي سيكون هو مصير صفقة القرن الأمريكية ولصاحبها ترامب إذا جاءت كما تتمناها إسرائيل. وكما يرفضها الفلسطينيون.
إن ثمة تقارير صحفية تتحدث عن مشاورات لتنظيم لقاء قمة عربي محدود يشمل مصر والسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية لمناقشة هذا الأمر والاستعداد له ولمواجهة تداعياته التي لن تقتصر علي الأراضي الفلسطينية وحدها.. والأمر بالفعل يحتاج تشاورا واستعدادا عربيا. حتي نكون جاهزين لكل الاحتمالات فلسطينيا وعربيا.. لا يجب أن نبحث ونفكر بعد أن يحدث الأمر. وإنما نكون مستعدين له ولمواجهة كل تداعياته. خاصة وأن العالم لا يقتصر علي أمريكا وحدها.. في عالمنا أوروبا وروسيا والصين والهند. وهي قوي مؤثرة ومهمة وفاعلة. وكلها رفضت قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وتؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة علي أراضي الضفة وغزة وتكون القدس الشرقية عاصمة لها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف