خيرية البشلاوى
عتمة الشرور وإضاءة الشموع في "العهد"
سألتها ما هي المسلسلات التي استهوتك لمتابعتها؟
ــ قالت : لا أجد وقتاً كافياً لمتابعة الكثير منها ولكن استهواني علي نحو خاص مسلسل "العهد".
ــ ليه؟
أجابت السيدة الشابة التي درست الفنون الجميلة وتخرجت منذ عامين فقط. وهي فنانة رسامة ولها انتاج محدود ولكنها اتجهت مؤخراً إلي العمل في مجال تنسيق الزهور داخل صالات الفنادق في المناسبات الخاصة "زفاف. أعياد ميلاد.. إلخ".. قالت : ـــ
في الحقيقة أنا حتي الآن لم أفهم الكثير من الأحداث ولم أركز في المضمون أو الرسايل ولكن ما شدني بشكل خاص هو الجو العام. الديكور واللغة المرئية. والخصوصية التي يتميز بها علي مستوي التشكيل وطريقة توزيع الإضاءة واستخدام اللمبات والشموع.
كثيرون ممن شدهم المسلسل يمكن أن يتفقوا مع هذا الرأي.. بمعني أن المسلسل يولد عند المتفرج حالة خاصة تجعل الفرجة عليه ممتعة بعيداً عن عنصر السرد. والحكايات المتداخلة وحوادث القتل المتعددة بالطرق العديدة.. لم يستخدم المخرج لون الدم صراحة رغم انتشار رائحته المكتومة في أعداد الضحايا الذين تمت تصفيتهم بالسم أو الخنق أو الخ..
الديم في نبوءة "النوي" يملأ المكان. والطريق إلي تحقيق المآرب مليء بغيوم الغدر. والمغدورين عائلة واحدة أو عائلات تربطهم صلة رحم. وعالم الفانتازيا الرمادي والأسود المحُلق في سماوات الخديعة والخيانة والتآمر ليس بعيداً عن حكايات ألف ليلة وليلة. وأساطير الصراعات علي مقاعد العروش ومصاطب العمودية وحتي المشيخة وشياخة الغفر فضلا عن كُبراء القبائل.
رسائل مسلسل "العهد" من حيث المضمون تكاد تكون واحدة في الملاحم والأساطير تنحصر في الصراع علي السلطة والهيمنة "القبلية" في طبعاتها المختلفة وأماكن مواقعها المتناثرة فوق الكوكب ومنذ بدء الخليقة.
وحكاية أن الجريمة التي لا تفيد. بدت علي أرض الواقع مفيدة وفي هذا المسلسل حتي اشعار آخر!! والجريمة في سلم الصعود إلي السلطة والمال والنساء تبدو فريضة حتمية في عُرف البشر وتتم حسب ما تشاهده بقلب بارد ومع سبق الاصرار والترصد ضد الأم والشقيق والزوج والعشيق والابن وأي مخلوق يعترض طريق هذا الصعود..
الأشرار ضد الأخيار صراع أزلي. ولكن "العهد" حاكم ضد الصراع ودستوره لا يمنح مساحة تذكر "للأخبار" ومنذ أن نطقت "استمونها" "سلوي خطاب" بسر المستور بينما تقرأ ما تقوله "نواة البلح" في الحلقة الأولي..
"الأشرار" هم القاعدة العريضة في التاريخ البشري بغض النظر عن النوع والجنس واللون.
والجنس البشري في "العهد" عربي. واللغة عربية كما نتحدثها اليوم وننطق بها رغم أن الجو اسطوري وفانتازي ولكن مفرداته اللغة التعبيرية البصرية في الديكور والملابس تحدد الجنس واللون والوش وربما فترة تاريخية في تاريخ تطور العرب المسلمين حتي لو بدت الأسماء المختارة للشخصيات غريبة علي أذن المتفرج اليوم.
وقواعد اللعبة منذ الخطيئة الأولي لم تختلف. والشرور تعم الأرض و"الكفور" أصبحت أكثر سوادا وأكثر خبثا ودهاء.
ذلك الغموض المتولد من أسلوب توزيع الإضاءة يؤكد أن ثمة "خطة" دقيقة مسبقة أعدت لشكل كل لقطة وأسلوب تسكين المفردات داخل المشهد والتي تدخل في تصميم التكوين داخل اطار الصورة وتشد العين إلي جماليات التشكيل واختيارات اللون وتوزيع الإضاءة.. وهذا الغموض الشكلي الجمالي كله يتناقض مع همجية المشاعر وفوضي الصراع القائم علي الغرائز الأولية للبشر والتي تحركها الرغبات الوحشية لامتلاك المال والسلطة والنساء وقبلهم القوة الغاشمة حتي لو بدت موجهة ومنظمة ومحكومة بالتدابير والتخطيط.
الأسلوب واللغة المحسوسة لافتا منذ العناوين و"التتر" المرسوم بالوان الأسود والرماديات والخطوط التي تحدد أشكالا لطيور جارحة وبشر من الجوارح يغطيهم السواد ووسط ذلك يظهر تمثال يتواري سريعاً لعله التمثال المصطنع والزائف والمضلل "للحرية".
أشياء كثيرة أدهشت فنانة الديكور الشابة منُسقة الزهور ومنظمة حفلات الأفراح التي تضاء بالشموع.