بوابة الشروق
عماد الدين حسين
هل يقضى شعراوى على إمبراطورية التكاتك؟
وزير الإدارة المحلية اللواء محمود شعراوى يستحق التحية والتقدير، على قراره الشجاع يوم السبت الماضى، بتقنين واستكمال ترخيص التوك توك وتحديد خطوط سير له، والسؤال: هل يمكن تنفيذ هذا القرار أم يكون مصيره مثل العديد من القرارات المشابهة؟!.

قبل الإجابة عن السؤال نشير بسرعة إلى مضمون الكتاب الدورى الذى أصدره شعراوى إلى المحافظين، وتضمن ضرورة موافاة الوزارة بإجمالى عدد مركبات التوك توك على مستوى كل محافظة، وما تم ترخيصه وأسباب عدم ترخيص الباقى.

الوزير طالب بتحديد خطوط سير للمركبات بحيث تكون فى المناطق غير المخططة، وبين القرى وبعضها، وعدم سيره فى المناطق الحضرية أو الطرق الرئيسية أو السريعة، أو بين المدن وبعضها.

كلنا يعلم الأضرار التى يسببها انتشار التوك توك، وشخصيا صرت متطرفا فى النظرة لهذه «المركبة» لدرجة تجعلنى أبالغ بالقول إنها سبب كل المصائب التى نعانى منها.

هو مثل الوباء الذى يتوغل وينتشر، بصورة معدية مكتسحا فى طريقه كل ما هو جميل.
ورغم ذلك أحاول أن أتحلى بالموضوعية، وأقول بوضوح أن لهذه المركبة فوائد مهمة فعلا فى القرى والمناطق غير المخططة أو الشوارع التى لا تدخلها المواصلات العامة، لكن كيف وصلنا إلى حالة يسير فيها التوك توك فى كل مكان تقريبا. وحول منشآت حساسة وحيوية مثل مجلس الشعب والوزراء ومنطقة مربع الوزارات بل ويسير بالعكس على الطريق الدائرى وعلى كورنيش النيل؟!

لو أن هناك من يريد التآمر على هدم القيم فى المجتمع المصرى، فلن يجد أفضل من هذه المركبة الجهنمية، ليتركها تعيث فسادا فى المجتمع، هم ينشرون الفوضى، والألفاظ السوقية، ويتصارعون ويتخانقون لأتفه الأسباب، ويسيرون عكس كل القواعد والقوانين. لا ألوم سائقى التكاتك، وأعتبرهم ضحايا لكن ألوم من سمح بهذا من البداية بدخول التوك توك بهذه الطريقة، ثم من طنش على ترخيصه وتنظيمه، نهاية بمن قبل واستسلم لهذا الواقع المرير.

أتخيل أن قرار وزير التنمية المحلية سوف يواجه العديد من الصعوبات والتحديات والعراقيل. هناك مراكز قوى كثيرة فى المجتمع، ستحاول إجهاض هذا القرار، مثلما نجحت فى إجهاض قرارات مماثلة سابقة.

وبالتالى أتصور ضرورة أن نكون واقعيين، ونحن نتعامل مع القرار الجديد، لأن «ميليشيا التكاتك»، صارت قوية وراسخة وتقف على أرض صلبة، وتعمل فيها مئات الآلاف، وصارت تمثل اقتصادا قائما بذاته، يتكسب من وراءه ملايين الأسر.

وبالتالى فلا يوجد عاقل يدعو إلى إلغائه فورا وبجرة قلم، بل تنظيمه بصورة تعظم مميزاته، وتمنع سلبياته. لا يريد عاقل أن يغلق باب رزق أصحاب وسائقى التكاتك بل أن يعملوا بصورة توقف انحدار المجتمع إلى هذا الدرك من الانحطاط الشامل. نريد منهم أن تكون مركباتهم مرخصة ومعلوم من يملكها ومن يقودها، وخط سيرها، بحيث لا تتجاوزه، ولا تسير كما يشاء صاحبها أو سائقوها.

على حد علمى، لا توجد دولة واحدة فى العالم أجمع تسمح بمثل هذه الفوضى التى تسمح بها مصر للتكاتك والميكروباصات.

هذه المركبة العجيبة سحبت معظم «الصنايعية» من أعمالهم، بحيث بدأنا نلمس ذلك بالفعل من انحدار كفاءة هؤلاء من السباك والنقاش إلى الميكانيكى.هى بصورتها الراهنة تهدد القيم والأخلاق فى الصميم. كل ما نطلبه هو الحد الأدنى من تطبيق القانون، وعلى الأقل حتى تحافظ الدولة على هيبتها. وفى هذا الصدد أعجبنى ما كتبه «الكاتب المجهول» فى روز اليوسف الذى يوقع باسم «رشدى أباظة» فى 14 أغسطس الماضى تحت عنوان «توك توك مجلس الوزراء»، حيث قدم فيه توصيفا دقيقا وصحيحا لكل موبقات هذه المركبة اللعينة وخطورتها فى أكثر من اتجاه.

بعد الكتاب الدورى لوزير التنمية المحلية يوم السبت الماضى، قال بعض الخبراء والمتابعين، إنه يصعب تنفيذ القرار، وأتمنى أن يكونوا مخطئين، وأن ينجح الوزير، وإذا فعل فسوف يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، باعتباره الرجل الذى تصدى لإمبراطورية التوك توك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف