الوطن
ريهام فؤاد الحداد
الميلاد الثانى والأربعين
أصبحت أحصى سنوات عمرى، أسجل ما فات بميزان دقيق وحساب عسير، هذه السنوات التى تتباعد رويداً رويداً عن تسرّع الشباب، وترنو بذات الرويد من التعقل والتريث والتأنى.

هذا العام أحاول أن أكون مختلفة بعد إعصارات وتعثرات كثيرة، خلصت منها إلى: أنك رغم الحذر مصاب، ورغم التأنى تخطئ الحسابات، ورغم الاعتزال والعزلة، فأنت مراقَب وملاحق.

إذاً لا قانون للأحداث ولا قاعدة أو ضمان لطريقة سريانها، أنت تحلم وتتمنى، فتأتى الرياح بحسابات مختلفة تماماً عما رسمت أو خططت أو حتى توقعت، لكن عندها، وبروح الحكمة الأربعينية ذاتها، فأنت تتعلم أن تدع الأحداث تمر دون فزع ودون خوف ودون قلق، فقط راقب وانتظر الرسالة والحكمة الإلهية من وراء مستجدات الأمور، تعلم وسجل دروساً جديدة فى دفتر دنياك، سجلها بأعصابك وإجهادك وتوترك ومعاناتك، بعرقك وربما بدمائك، فليس هناك أصدق من تسجيل يديك..

لكن...

لا تنس وأنت تتعلم من أحداثك وحوادثك أن تكون أميناً محباً وأن تُجنبَ غيرك ويلات ما لاقيت وأن تمرر دروسك الخاصة للآخرين، سواء كانوا أصدقاء تلاميذ أو أبناء. بالنهاية نحن جئنا لنتعلم ونعلم ولنترك توقيعاتنا على رمال الأرض وسطح القمر!!

فى ميلادى الثانى والأربعين، أحلم بغد أجمل وفضاء أرحب وسلام لا ينتهى، فما أسهل السلام وما أصعبنا نحن.

فى ميلادى الأربعينى هذا، أرى الأمل والغد المشرق بعيون الأطفال والجيل الجديد، إن أنشئوا بشكل جيد وبضمير ووعى وعلم، فتربيتهم هى أعظم الأعمال وأقوى لبنات بناء الحياة.

كذلك أرى السعادة والألم نسبيتين، وهما أمران يحدثان بالتبادل، ربما يطغى أحدهما على الآخر، لكنهما حتماً يتبادلان الأدوار، فإن كنت شقياً فانتظر وتأكد أن الخير قادم، فقط انتظره بيقين.

تعلمت كذلك أن لا أحد بهذا الكون يستطيع مساعدتك، ولا يوجد معين لك إلا الله، ثم نفسك وذراعك وإرادتك، فاقترب من الله وثق بنفسك.

تعلمت أن الوقت ثمين وأن الحياة غالية، وأن كل ثانية يجب أن تكون مفيدة، وأن كثرة الكلام هلاك للنفس والذهن والأعصاب، وأن الصمت والإصغاء والتفكير أجدى بكثير.

تعلمت أن هذه الحياة بها صنوف بشر كثيرة، بالتأكيد لن تتفق معهم جميعاً، لكن يجب أن تتعلم كيف تتعامل معهم جميعاً.

تعلمت أن الأمل دائماً موجود، لأن عطاء الله عظيم، وبأن النصر دائماً للخير والخيرين، وأن الشر وإن طال فمردود على أهله.

تعلمت ألا نصدق ولا نكذب أحداً، بل نستمع وننصت ونفكر وندع الأيام تثبت صحة أو كذب الادعاء.

تعلمت ألا أقبل أى شى غير مريح وغير مرضٍ، تعلمت أن أقول (لا) دون حرج ما دمت لا أؤذى أحداً. تعلمت أن السنوات وعددها لا يعنيان شيئاً، وأن العمر الحقيقى مكمنه القلب ونظرة العين وشباب الروح.

تعلمت أن أجمل عطايا الله هى محبة الناس وتذكرهم لك بالخير، وتذكرك لنفسك باحترام وتقدير، مرت أعوامنا جميعاً بخير وسعادة وسرور.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف