محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "11"
يتوقف عبدالحميد السحار أمام القضايا التي أثارها المستشرقون. وتوصلوا فيها إلي نتائج ليست هي الحقيقة. لكنها ما تعمدوا التأكيد عليه - زيفاً وتدليساً - في حربهم الشرسة ضد الإسلام.
وللأسف. فإن بعض النقليين من مؤرخي الإسلام أخذوا تلك الآراء علي علاتها. دون تدبر ولا مراجعة.
تناست اجتهادات المستشرقين ما يحيط بالتوراة من ظلال. وربما قتامة. تضع ما أوردته في إطار الأكاذيب.
لقد نزلت التوراة علي موسي. فلما طال علي بني إسرائيل الأمد. اعتبروا التوراة كتاب تاريخ. يسجل أيامهم وحروبهم وقصص أنبيائهم. فأضافوا إليه أسفاراً. وقالوا: هذا من عند الله.
وقد هزم بختنصر بني إسرائيل. وحرق توراتهم. ونقلهمم إلي بابل. وهناك أعاد اليهود كتابة التوراة. وأضافوا إليها أسفاراً جديدة. وتوضحت أساطير بابل وأشور ومصر الفرعونية "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون".
ولعل أخطر ما تتضمنه التوراة المؤلفة - وهو ما يعاني شعبنا العربي تأثيراته المدمرة حتي الآن - أن يعود المنفي أرادوا أن يعودوا إلي أرض كنعان. أرض فلسطين. ولأن تلك الأرض - تاريخياً ودينياً - ليست ملكاً لهم. فقد نسبوا زعمهم إلي وعد إلهي.
وكما يقول السحار. فقد كتب أحبار اليهود بأيديهم أن الله سيكون إلهاً لإبراهيم ولنسله من بعده. أما باقي البشر - إن كان اليهود يسمحون بأن يكون غيرهم بشراً - فقد تركوا بلا إله. فأصبح رب الناس. إله الناس. رب العالمين. إلهاً لنسل إبراهيم وحده.
وإسماعيل: ما نصيبه من هذا الوعد؟
إنه من نسل إبراهيم. فهو يشارك هو وبنوه في هذا الوعد.
ولما كان ذلك لا يرضي اليهود الذين اعتادوا كتابة التوراة في بابل علي هواهم. فقد أخرجوا إسماعيل وبنيه من ذلك الوعد. فجعلوا خليل الرحمن يقول: "ليت إسماعيل يعيش أمامك". فلا يعجب ذلك القول رب إسرائيل الذي لم يكن قد ولد بعد. فيقول متلهفاً: بل سارة امرأتك لتلد لك ابناً وتدعو اسمه اسحاق. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. وأما إسماعيل. فقد سمعت لك فيه. هأنذا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً. اثني عشر رئيساً يلد. وأجعله أمة كبيرة. ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية".
هكذا - والكلام للسحار - وضع أول حكماء صهيون أول بذرة في مشكلة فلسطين. وجعلوا الله بلا سبب معقول. يختار اسحاق الذي لم يكن قد ولد بعد. ليقيم له عهداً أبدياً لنسله من بعده. ويخرج إسماعيل من ذلك العهد.
والحق أن الصفحات المائتين والخمسين التي يفند فيها الكاتب مزاعم التوراة المؤلفة. هي أخطر ما يطرحه السحار. إنه يناقش كل ما أوردته التوراة من ترهات وأكاذيب. ويفنده في ضوء آيات القرآن الكريم. وفي ضوء الحقائق التاريخية.
لقد أرادوا أن يزيفوا كل شيء من أجل أطماعهم. فأساءوا حتي إلي الذات الإلهية. وإلي الأنبياء. وإلي العقل البشري الذي يفكر ويناقش. ويستطيع التمييز بين الحقيقي والمكذوب. الصواب والخطأ. الصادق والمدسوس. الإله يتصرف كالبشر. والأنبياء يخفون ما بأنفسهم عن الإله. واليهود هم الجنس الذي قدر له أن يسود العالم. والأحبار يحمدون الإله إذا حقق أهدافهم. ويتهمونه بكل النقائص من غش وخداع ونفاق. إذا جاءت أفعاله علي غير هوي شعبه المختار.
للكلام بقية