إنها مصر
الانحياز للمصالح الوطنية العليا، هو الهدف الثابت للتوجهات المصرية في السياسة الخارجية، وكانت جولة الرئيس السيسي الآسيوية، تجسيدا لتأكيد هذا المفهوم في الشرق والغرب، فلا انحياز إلا لمصلحة مصر، ولا قبول لتدخلات في شئونها، والصداقة لمن يمد يديه، بالتعاون والمشروعات المشتركة التي تحقق الخير للجميع.
هذا ما تريده مصر من كل دول العالم، وفي صدارتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحسنت العلاقات بدرجات أكبر عما كانت عليه في فترات حكم أوباما وبوش الابن، وتوقفت سياسات ألحقت ضررا بمصر، وتجسدت في أحداث 25 يناير، وانحياز الإدارة الأمريكية لبعض النشطاء والإخوان المسلمين، الذين اساءوا لبلدهم، وكانوا وراء أحداث الفوضي.
رفضت مصر منذ البداية نظرية الفوضي الخلاقة، وكانت تري من واقع خبرتها وتجاربها في المنطقة، انها سوف تنقلب لأحداث عنف تحرق دولا وتدمر أوطانا وتشرد شعوبا، وتحققت رؤيتها بعد احتلال الجماعات الدينية ساحات المواجهة، واشعال حروب لا تنطفئ جذوتها، جعلت أبناء البلد الواحد اعداء لبعضهم.
ظنت الولايات المتحدة أن المنطقة في حاجة إلي ربيع عربي، يطيح بحكام ويغير أنظمة، وأن في استطاعتها تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وفق رؤيتها وبما يحقق مصالحها، ولكنها لم تقدر ان »الشرق» غير »الغرب»، وان الأنظمة الديكتاتورية التي كانت قائمة في بعض البلدان، كانت أفضل لدي شعوبها من الحروب الدموية التي مزقت تلك الدول.
الصداقة كانت عنوان السياسات الأمريكية في المنطقة، في الخمسينيات والستينيات، واحب كثيرون تمثال الحرية المطل علي خليج نيويورك، واسمه بالكامل »الحرية تنير العالم»، ولكن تبدلت السياسات الأمريكية، من شعار الايدي المتصافحة وسنابل القمح، إلي الحروب والصواريخ وأسلحة الدمار الشامل.
العالم يتغير بسرعة، وتنظر مختلف الدول حولها شرقا وغربا، تبحث عن أصدقائها ومن يساعدها في مواجهة أزماتها، وهذا ما تفعله الصين الآن، التي تدخل المعادلة من أهم طرفيها، وهي التعاون المشترك والخير الذي يتحقق للجميع، ويلقي ذلك قبولا في عديد من دول العالم، خصوصا الدول الافريقية التي تبحث عن التنمية والحياة الكريمة لشعوبها، والتخلص من الفتن والمحن والمجاعات.
العالم الآن يتشكل وفق مفهوم »الصداقة»، التي قوامها الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشأن الداخلي، وألا تكون المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول المانحة للدول المحتاجة، سلاحا لتجنيد بعض العناصر والقوي المعادية لأنظمة الحكم في دولها، فتفسدهم وتجندهم ضد أوطانهم.
أمريكا التي يريد الشرق صداقتها، هي التي تكون عونا في تعظيم ثقافة حقوق الإنسان، واعلاء شأنه وكرامته وحقه في الحياة، ضد التيارات الدينية الدموية، التي أصبحت أدوات للقتل وتهديد حياة الآمنين، وعانت الولايات المتحدة نفسها من خطرها في أحداث 11 سبتمبر، التي اثبتت انه ليست هناك دولة في العالم بمنأي عن خطر الإرهاب، وان سياسة احتواء الإرهابيين التي يتبناها الغرب، أثبتت فشلها وأكدت أن الذي يحضِّر العفريت لا يستطيع أن يصرفه.
الصداقة بين الدول ليست حباً وكراهية، ولكنها مصالح وعلاقات تقوم علي الاحترام المتبادل، فتزيل السحب الداكنة من سماء العلاقات الدولية، وتتحول إلي أهداف نبيلة لمقاومة الفقر، وتعظيم حق الإنسان في المسكن والمأكل والصحة والتعليم، وحقه في الحياة قبل أي شيء.
لعبة شد الحبل في السياسة الدولية، أصبحت هي السائدة الآن، ويفوز بها من يستطيع أن يجذب الدول المتطلعة للتنمية والبناء، فلم تأت الحروب والصراعات إلا بمستنقعات الدم، وآن الأوان أن تحل محلها الحقول الخضراء.