لا ينبغى النظر إلى قصة تأييد المحكمة للحكم الصادر ضد رئيس محكمة الجنايات السابق بالزقازيق صابر غلاب ليصبح نهائيا لمدة عشر سنوات على أنها حكاية انحراف عادى من تلك التى تنشرها صفحات الحوادث كل يوم، كما لا يجب النظر إلى خبر هذا القاضى باعتباره حادثا استثنائيا والاتكاء على هذه الحقيقة للتقليل من هول النبأ وصدمة الناس، فالحقيقة أننا بصدد الحديث عن فاجعة, فالمحكوم عليه كان يشغل وظيفة قاضى رئيس محكمة، وتهمته تقاضى مقدم رشوة 300 ألف جنيه مقابل تخفيف حكم الإعدام على أحد المتهمين وبحيث يتقاضى مليون جنيه «باقى الأتعاب» بعد تنفيذ تلك المهمة، وأثبتت التحريات أن القاضى يحصل على رشاوى منذ عام 1999 لأعمال مثيلة، وأن حصيلة ودائعه فى البنوك 917 مليون جنيه، يعنى حوالى مليار جنيه كامل، وأتساءل: هل غاب عن الجهات الرقابية والسيادية تقاضى المتهم للرشوة على مدى 19سنة بحيث لم تكتشفه أو تكشفه؟ ولماذا لم يحاول مواطن واحد ممن قاموا برشوة هذا القاضى الفاسد على مدى عقدين أن يبلغ الشرطة أو ممثلى الأجهزة عنه؟ ولماذا لم يلتفت أحد فى سلطات هذا الوطن السعيد إلى تراكم ثروة القاضى عبر 19سنة لتصل إلى مليار جنيه؟ وهل من الطبيعى أن تبلغ ثروة أحد المواطنين هذا المبلغ المهول دون أن يستفهم أحد عن مصدره؟ ثم ألم تحاول إحدى الجهات مراجعة صحة الأحكام التى أصدرها هذا القاضى وغيره لمجرد الاطمئنان إلى استقرار العدالة؟ ثم إننا لا نتكلم عن «قاض» باعتبارها درجة وظيفية ولكننا نتكلم عن رئيس محكمة، فهل نفحص الآن الطريقة التى كان يسير بها العمل فى تلك الدائرة؟ وهل ذلك القاضى كان وحيدا أما كان له شركاء؟ الموضوع ـ بصراحة وبصدق ـ صادم يتعلق بمدى مرونة وسعة الضمير العام هذه الأيام، ويفرض تشديد الرقابة عن المعدلات الطبيعية، ويفرض ضرورة إلزام الناس بكل الوسائل المتاحة بالأخلاق والقيم والتربية والمهنية واحترام المنصب العام.