السيد البابلى
الشباب.. والسوشيال ميديا.. وصراع الأجيال
في 25 يناير 2011. كانت هناك دعوات للشباب علي مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التجمع والتظاهر في ميدان التحرير.. ويبدو أن وزارة الداخلية آنذاك لم تتعامل بجدية مع دعوات التظاهر الإلكترونية. ولم تقدر جيداً قوة تأثير التواصل عبر هذه المواقع ولم تدرك أيضا أو تستوعب أن هناك تفاعلات وآراء سياسية واجتماعية تتبلور خلال حوارات هذه المواقع وتخلق رأياً عاماً شبابياً جديداً.
ولم تكن وزارة الداخلية وحدها التي تعاملت مع حوارات الفيس بوك باستخفاف وإنما كانت الأغلبية الساحقة من الرأي العام الذي لم يكن قد استوعب أيضا التأثير الهائل للحوارات والتواصل الإلكتروني في تحريك الأمور وفي تجميع قوي الثورة.
وعندما أدركت الداخلية أن الشباب قد وصلوا ميدان التحرير. كان الوقت متأخراً في كيفية التعامل مع حشود الشباب الأولي في الميدان. وغالبيتهم كانوا من الطليعة المثقفة لشباب الجامعات.
ومع أحداث الثورة التي جاءت تبشر بربيع زائف. فإن السوشيال ميديا أصبحت الإعلام البديل الذي يتمتع بالمصداقية وينقل أخبار وتطلعات التغيير.
ولم ينخدع رواد السوشيال ميديا في أن الإعلام الذي كان قائماً سيكون مواكباً للتحولات الجديدة. ولم يكن سهلاً علي الإعلام أن يتولي زمام الأمور في السيطرة والهيمنة من جديد.
***
وتحولنا إلي مجتمع "فيسبوكاوي".. ودخلنا في حوارات وتعليقات وآراء لنشطاء ودخلاء أضاعوا معالم الحقيقة وخلطوا كل الأوراق. وأدخلونا في دائرة من الشكوك والكراهية وأشعلوا صراعاً لم يكن قائماً بين الأجيال.. بين الشيوخ والشباب.. و انقسم المجتمع كله في انشغال لم يسبق له مثيل بالشأن العام وحواراته وقضاياه.
ولأننا دولة شباب تزيد فيها نسبة الشباب في مصر حالياً لأكثر من 35% فإن الشباب انطلقوا مع ثورة يناير الشبابية يطالبون بأن يكونوا في المقدمة وبأن يرثوا الأرض وما عليها..!
وكانت دعوات الشباب في هذا الشأن مخيفة. ومقلقة للاستقرار المجتمعي. وهادمة لكل المعايير والثوابت. ومهددة لوجود ومكانة الكبار وخبراتهم وقيمتهم.
وبدلاً من أن يكون هناك تواصل وتقارب بين الأجيال في رحلة البحث عن بناء الدولة الجديدة بعد يناير 2011 فإننا شهدنا أسوأ أنواع الصراع بين الأجيال في تزايد مستمر للشكوك وإنعدام الثقة.
وعندما نجح الإخوان في القفز فوق الثورة واستثمارها لصالحهم في فترة الاضطراب السياسي واختلال المعايير فإن الشباب عادوا إلي الشوارع والميادين في احتجاجات لم تتوقف حتي أزاحوا الإخوان وأعادوا صناعة واقع جديد للدولة المدنية بالنمط الذي كان سائداً.
***
وحاولت الدولة الجديدة أن تستوعب الشباب في إطار مشروعها القومي التنموي الطموح.. ودفعت بالشباب في الكثير من المواقع القيادية. وتولت الإعداد لمؤتمرات شبابية كان هدفها الحوار والاقناع وإعادة صياغة العلاقة بين الشباب والمجتمع لتحقيق التكامل بدلاً من صراع الأجيال الذي كان كفيلاً بتمزيق وتفكيك أواصل الدولة ودخولها في معارك وخلافات هي في غني عنها.
ولقد نجحت الدولة بقدرة وبسرعة في أن تحل إحدي مشاكل الشباب المزمنة والمتعلقة بالسكن الآدمي الملائم. وأقامت عدة مشاريع إسكانية عملاقة فتحت باب الأمل للشباب في إمكانية تحقيق الحلم وفي الاستقرار الاجتماعي.
ولكن المشوار مازال طويلاً في كيفية إعادة الثقة للشباب وفي تفجير طاقاته وإبداعاته. وفي زراعة الأمل وإحياء الحلم.. وفي دفع هذا الشباب لاستمرار مشاركته في صناعة القرار.. وفي إقناعه بأن هناك دولة مصرية جديدة تعمل لصالحه وتفتح له أبواب الرزق والعمل. وتغنيه عن حوارات الفيس بوك التي يتحدث فيها عن عالم آخر.. ودولة أخري..!
***
ونتحدث أيضا عن شباب "التوك توك".. وما جري في ميدان السيدة عائشة علي طريق صلاح سالم. وحيث اصطدم قائد إحدي السيارات مساء يوم الجمعة "بتوك توك" يقوده مراهق صغير لا يتجاوز عمره الـ 14 عاماً.
وقائد السيارة الذي تعرضت سيارته لتلفيات بعد أن خرج عليه التوك توك من حيث لا يدري حاول أن يوقف "التوك توك" حتي يأتي رجال المرور..! والصبي الذي يقود التوك توك تركه وجري بعيداً عنه وأمسك بالموبايل وتحدث فيه لدقائق. وعاد بعدها ومعه "كتيبة" من الشباب الذين استعان بهم لإنقاذه..!
وقائد السيارة الذي كان "عنترا" قبل دقائق تحول إلي "عبلة" عندما وجد نفسه محاطاً من كل جانب بوجوه متحفزة تكاد تلتهمه إلتهاماً..!
وبدلاً من حوار عن الخطأ والثواب في الحادث. فإن الرجل الذي تعرضت سيارته للتلف. كان هو من يقدم تعويضا مالياً لصبي التوك توك واعتذر إليه أيضا... والانسحاب بسلام في هذه المواقف أفضل من الشجاعة الزائفة.. والتفاهم مع سائقي التوك توك علي أية حال أفضل من الحوار مع سائقي الميكروباصات.. دول حاجة تانية خالص.. مفيش كلام.. كله ضرب..!