المصرى اليوم
منى مكرم عبيد
2019 عاماً للتعليم.. والاستثمار فى البشر
كثيرا ما تحدثنا عن التعليم وضرورة اتخاذ المسار الأسرع لتطويره عبر تأهيل المعلم ورفع قدراته بالتوازى مع محاولة تطوير المناهج، وأثبتت الخبرات والتجارب السابقة أن الاهتمام بالمناهج وحده لا يؤتى ثماره، وما لم يتم تأهيل المعلمين أيضا ورفع مهاراتهم العلمية وزيادة الرواتب فلن تكون هناك فرصة لتحسين المنظومة التعليمة كما نتمنى، وسنظل طوال الوقت نطالب بتطوير التعليم دون نتائج ملموسة، لذا مع تخصيص 2019 عاماً للتعليم نجدد الدعوة للنظر إلى هذا الملف بروح جديدة وأفكار غير تقليدية، وإرادة حقيقية للتطوير وليس للاستهلاك المحلى.

مؤخرا شاركت فى ورشة عمل حول التعليم ورياض الأطفال نظمها «الاتحاد العام لنساء مصر» الذى ترأسه الدكتورة هدى بدران، وركزت فيها على ضرورة تطوير المعلم، خاصة أننا نتابع بشكل مستمر بناء كثير من المدارس الجديدة، وتخريج آلاف المعلمين، ولكن هل لدينا آلية واضحة للاستثمار فى البشر بدلا من الحجر؟ أعنى هنا الاستثمار فى المعلمين من خلال رفع قدراتهم وتوعيتهم وتدريبهم على نقل الأفكار المتطورة إلى التلاميذ، خاصة أنه بتطوير المناهج التعليمية وحدها دون تطوير المعلم ستكون المحصلة صفرا، فمثلا تم استحداث مواد للمواطنة وحقوق الإنسان فى المناهج الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية منذ سنوات، ولكن هل تواكب مع ذلك تأهيل المعلمين لتقديم هذه المواد بشكل جيد؟ بالطبع لا، بل تم الاعتماد على معلمى الدراسات الاجتماعية واللغة العربية، وهو ما يعنى إضافة مواد بشكل نظرى ولكن على المستوى العلمى النتيجة صفر، وكأننا ندور فى حلقة مفرغة!.


كذلك كلنا نعلم الفصل بين التلاميذ فى حصص الدين، وما يترتب على ذلك من تمييز غير مطلوب، وبدلا من ذلك لماذا لا يتم تدريس مادة مشتركة عن التربية المدنية والقيم والأخلاق؟ فكلها أمور مشتركة ينبغى تنشئة الأطفال عليها من الصغر، فهذا هو ما يحتاجه المجتمع لتغيير عقلية الأجيال القادمة.

أيضا أكثر ما يعانيه مجتمعنا غياب العقل النقدى للطلاب وارتكانهم إلى الحفظ والتلقين كما تعودوا من نظام التعليم، بدلا من تحليل ونقد الأفكار والتدقيق فيما يُتداول من معلومات، ومن ثم التأكد أولا من تداولها على نطاق واسع، وهو ما يؤدى لكثير من المشكلات مستقبلا، وأتذكر خلال دراستى فى جامعة هارفارد أن التركيز كان على تكوين العقل النقدى للطلاب، ومنحهم حرية الفكر والتدقيق قبل أى شىء، وخلال تعاملى أيضا مع طلاب الجامعة الأمريكية والأكاديمية العربية للنقل البحرى كان يتم التواصل مع الطلاب ومنحهم فرصة انتقاد وتحليل الأفكار والمواد الدراسية التى أقدمها لهم، من أجل تنمية العقلية النقدية بداخلهم، وعدم التعامل معها على أنها ثوابت أو مقدسات ممنوع الاقتراب منها، وهذا وحده يساعد على تنشئة المجتمع بشكل إيجابى، بدلا من خلق أجيال تتربى على الحفظ دون فهم، وحصد الدرجات دون تميز، فيشكلون مجتمعا مغلقا وليس منفتحا، تنفجر منه كل المشكلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية التى نعانى منها فيما بعد.

يبدو أن الطريق لايزال طويلا أمام محاولات إصلاح المنظومة التعليمية بما يتناسب مع الطموحات وسقف التوقعات، فى ظل استنزاف الدروس الخصوصية ميزانية الأسرة المصرية، وحسبما أعلن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، أمام مجلس النواب العام الماضى، فإن أموال الدروس الخصوصية تبلغ 30 مليار جنيه، وهو رقم كبير للغاية، وينبغى التعامل معه بدقة وجدية، وضرورة ملاحقة كل المنتفعين من هذه المافيا، التى لا تدمر التعليم فحسب وإنما تعمل على تحميل الأسرة المصرية أعباء معيشية عديدة، تسبب الكثير من الضجر من كل ما يحدث، ويدهشنى بالفعل عدم قدرة الوزراء المتعاقبين على كرسى الوزارة وفشلهم فى مواجهة الدروس الخصوصية، بل يتزايد دورها عاما بعد عام، وتكثر معها الألغاز!.

ورغم إعداد وزارة التربية والتعليم بقيادة الوزير الطموح والكفء الدكتور طارق شوقى خطة جديدة لتحديث المنظومة التعليمية بشكل شامل، إلا أنه يتعرض لحملات ضد محاولته تغيير نظام التعليم فى مصر، وبالرغم من وجود كثير من الأفكار الإيجابية وغير التقليدية فى هذا الشأن إلا أن مجتمعنا غير مرن ولا يتقبل التغيير بسهولة على كل المجالات، وهو ما يخلق حالة من الجدل والشك تجاه أى محاولة لإحداث تغيير جذرى، وإن كنا نعترف فى نفس الوقت بأن هناك إرثا من التجارب الفاشلة التى ترتبط بالذهنية، ومن خلالها يزداد التوجس تجاه أى محاولة، لذا لا بديل عن الأمل فى مستقبل أفضل من خلال تعليم عصرى متطور يقوم على تحديث قدرات المعلم عقليا وسلوكيا، ومدارس متطورة، مع مجتمع يؤمن بدور التعليم فى انتشاله من همومه.

* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف