وحيد عبد المجيد
اجتهادات ماذا جرى لأخلاقنا؟
كلما وقعت جريمة غير معتادة، أو ظهر أحد جوانب الخلل فى العلاقات بين الناس، يُثار السؤال عما جرى لنا، مصحوباً فى كثير من الأحيان بأحكام متسرعة تتعلق بأخلاق المصريين الآن، وخصوصاً أجيالهم الجديدة الناشئة، أو تتصل بثورة الاتصالات والآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي.
وحدث ذلك مجدداً عندما قتلت طفلة صغيرة عمرها 11 عاماً شقيقها الأصغر فى عزبة الهجانة بمدينة نصر، بعد مشاجرة بينهما حول «ريموت كونترول» التليفزيون فى منزلهما. لم يكن أحد غيرهما فى المنزل، عندما انهالت الطفلة على شقيقها ضرباً فأردته قتيلاً، ثم غطت جثته بملاءة ووضعتها أسفل السرير.
وتفرض اتجاهات النقاش العام فى مثل هذه الحالة إثارة سؤال محدد هو: هل حدث انهيار أخلاقى فى بلدنا حقاً؟ وهذا سؤال من نوع يتعين الحذر والتدقيق عند التفكير فيه، بعيداً عن التعجل والتسطيح واستسهال إصدار أحكام انطباعية. إنه سؤال يتعلق بحالة المجتمع أكثر منه بأخلاق الأفراد. ولذلك ترتبط الإجابة عنه بتحليل التغيرات التى حدثت فى المجتمع على مدى نصف قرن على الأقل، لأن أخلاق الإنسان ليست محض تكوين شخصي، وإن كان لهذا التكوين أثره الذى يختلف وزنه النسبى مقارنة بالمؤثرات الموضوعية من فرد إلى آخر.
والحال أن التغيرات الاجتماعية التى حدثت منذ ستينيات القرن الماضى خلقت تشوهات تراكمت آثارها فى المجتمع، وأنماط العلاقات السائدة فيه. وعلينا أن نفحص، فى هذا السياق، آثار الإنهاك الذى تعرض له المجتمع من جراء تحولين اجتماعيين كبيرين تواليا عليه فى مدى زمنى قصير. فقبل أن يستوعب المجتمع آثار التغير الاجتماعى شبه الاشتراكى الذى حدث فى مطلع الستينيات، عوجل بتحول فى اتجاه معاكس فى منتصف السبعينيات.
وحدث ذلك فى ظل زيادة سكانية كبيرة لم تواكبها عملية تنمية تُطلق طاقات الأعداد المتزايدة من المصريين، فتحولت هذه الزيادة إلى عبء. وعندما يزداد عدد الناس، بينما تقل الفرص المتاحة لهم، يظهر ما يُطلق عليه أخلاق الزحام وسلوكياته، ويدوس الناس على بعضهم دون أن يقصدوا, وتصبح «القيمة» العليا هى «أنا.. ومن بعدى الطوفان» حتى فى العلاقة بين الآباء والأبناء، أو بين الأشقاء.