الجمهورية
السيد البابلى
أكتوبر.. نهاية نكسة.. وبداية حلم.. "1"
وسنظل نتذكر أيام المجد والفخار مع بداية شهر أكتوبر من كل عام. فرغم مرور 45 عاماً علي ذكري حرب أكتوبر الخالدة التي أعادت الكبرياء والكرامة لمصر وللأمة العربية كلها إلا أننا نظل دائماً نعيش ذكريات هذه الحرب التي كانت تأكيداً علي أن هذه الأمة العريقة قد تمرض وقد تتعرض لنكسات وانتكاسات ولكنها تظل قوية متماسكة قادرة علي الصمود. ولديها دائماً القدرة علي أن تحقق ما يمكن وصفه بالمعجزات.
ونعود للبداية.. والبداية كانت مع نكسة الخامس من يونيه عام 1967 عندما لم ندخل حرباً فعلية. وإنما خسرنا جولة المواجهة مع إسرائيل لأن الحسابات والسياسات الأمريكية أرادت أن تضع حداً لنفوذ زعيم مصر جمال عبدالناصر وتحد من انطلاقته العربية والافريقية التي باتت تشكل خطراً علي إسرائيل وتهديداً للمصالح الأمريكية في المنطقة.
وخسرنا حرب 1967 ايضا لأن القيادة السياسية لعبدالناصر ورفاقه لم تقرأ المشهد السياسي العالمي جيداً واعتقدت أن القوات العربية ذاهبة إلي نزهة في إسرائيل وأنها قادرة علي الإجهاز عليها في وقت قصير.
ولأن الحسابات كانت خاطئة. فقد دفعنا الثمن غالياً. وخسرنا أعداداً كبيرة من الشهداء إلي جانب تدمير شبه كامل للطائرات الحربية المصرية واحتلال إسرائيل لسيناء في مصر. وهضبة الجولان في سوريا. والضفة الغربية في الأردن.
وعلاوة علي النكسة فإن عبدالناصر فقد أيضا بريقه وتوهجه وأعاد تقييم نفسه بنفسه ليكتب أعظم وأهم ثلاث سنوات في مسيرة حكمه لمصر وهي السنوات من عام النكسة في 1967 إلي عام وفاته في 1970.
ہہہ
وكانت البداية في إصرار عبدالناصر علي أن يعيد الثقة وأن يؤكد للعالم أن الجندي المصري قادر علي الحرب وأن مصر كلها ترفض الهزيمة وعلي استعداد لتقديم مزيد من الشهداء من أجل الكرامة واستعادة الأراضي العربية المحتلة وأطلق علي ذلك شعاره الشهير "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
ولم تمض عدة أشهر علي الهزيمة حتي كان عبدالناصر قد استرد أنفاسه وبدأ حرب الألف يوم التي عرفت بحرب الاستنزاف التي استمرت من عام 1968 - 1970.
ولم تكن حرب الاستنزاف كما أسماها ناصر هي بداية العودة وإنما كانت معركة رأس العش هي البداية الحقيقية لإعادة اكتشاف مواطن القوة في العسكرية المصرية ولإظهار البطولات لرجال قدر لهم الدخول في مواجهات مباشرة مع العدو الإسرائيلي.
ورأس العش هي منطقة في مدينة بورتوفيق. وتقدمت القوات الإسرائيلية لاحتلالها لتكملة احتلالها لكل سيناء. ولم تكن تتوقع أن تكون هناك مقاومة تذكر بعد هزيمة يونيه وانسحاب الجيش المصري.
وفي رأس العش وجدت إسرائيل المفاجأة من رجال عاهدوا الله علي الاستشهاد حماية للوطن والشرف.. من أبطال الصاعقة المصرية الذين تصدوا للدبابات الإسرائيلية وأوقفوا تقدمها في واحدة من ملاحم التحدي والإصرار أعادت الثقة للمقاتل المصري وكسرت حاجز التفوق الإسرائيلي وأكدت أن النصر قادم بالإرادة والإيمان والصمود.
وأصدر عبدالناصر قراره بأن تكون الحرب.. وألا تهدأ الجبهة وأن تستمر إسرائيل في حالة تأهب وطوارئ وقلق.
وكانت حرب الاستنزاف هي أفضل تدريب علي العبور العظيم الذي تم بعد ذلك في أكتوبر 1973. فقد كانت فرق الصاعقة المصرية تعبر القناة وتتوغل داخل سيناء للقيام بعمليات خاصة والعودة في أمان في نوع من التدريب العملي القتالي لم يكن معهوداً لهذه القوات من قبل.
ولأنها مرحلة الانضباط والالتزام العسكري والتركيز في المعركة التي لم يكن هناك صوت يعلو فوقها. فإن عبدالناصر أسند وزارة الحربية لواحد من أكثر القادة العسكريين التزاماً وإخلاصاً لمصر وهو الفريق أول محمد فوزي الذي استطاع تنظيم الجيش المصري والتخلص من قيادات الهزيمة وتمكن من بناء حائط للصواريخ ضد طائرات العدو التي كانت تمرح فوق الأراضي المصرية.
ہہہ
وبعيداً عن الجبهة. كان عبدالناصر يمارس ضغوطاً علي الأصدقاء السوفيت لإعادة تسليح الجيش المصري بمعدات عسكرية حديثة توقف وتحد من التفوق العسكري الإسرائيلي.
ونجح عبدالناصر في أن يخرج من الترسانة السوفيتية منظومة متقدمة لشبكة صواريخ مضادة للطائرات كانت فيما بعد سبباً في عبور قواتنا المسلحة في أكتوبر وتحييد الطيران الإسرائيلي الذي فوجئ بتساقط طائراته نتيجة لاستخدام المقاتل المصري لصواريخ "سام" الروسية المضادة للطائرات والتي كانت تحمل علي الأكتاف.
ولم ينم عبدالناصر طيلة ثلاث سنوات كان فيها يبحث عن الثأر وينتظر المعركة. ولكن القدر لم يمهله لكي يجني ثمار عمله فسقط شهيد الواجب في 1970 تاركاً مصر تبحث عن نفسها وتحاول أن تتلمس معالم الطريق في ظل قيادة جديدة لأنور السادات نائب عبدالناصر الذي لم يكن حينها يتمتع بشعبية عبدالناصر الطاغية ولم يكن معروفاً بشكل جيد للرأي العام. والذي بدأ سنوات حكمه محاطاً لأجواء من السخرية والمقارنة الظالمة بينه وبين عبدالناصر.
ولكن الأيام أثبتت فيما بعد أن الرجل الذي ظل بعيداً عن الأضواء طيلة حكم ناصر.. والذي كان يتعمد ألا يرفع رأسه حتي لا يطاح به كان يختزل في عقله كل مواهب القيادة وفن إدارة الأزمات وأنه الرجل الذي سيكتب مع شعبه وجنوده أروع لحظات الانتصار.. وأنه سيكون ذات يوم من أهم الشخصيات التاريخية التي تركت بصماتها في السياسة العالمية والتأثير في الرأي العام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف