ابراهيم عبد المجيد
السينما.. أين ذهبت وإلي متي ؟
تابعت أخبار مهرجان الجونة السينمائي الذي يقيمه الأخوان نجيب وسميح ساويرس في الجونة بالغردقة. الأخبار لم تنقطع عن المهرجان علي صفحات الميديا وفي الصحف وقنوات التليفزيون. وطبعا شغلت ملابس نجمات المهرجان أكبر مساحة من الأخبار.
هذا طبيعي في المهرجانات الفنية. وشغلت الأخبار الأخري عن العروض السينمائية وتكريم النجوم المصرية والأجنبية مساحة أقل. ليس لي تعليق علي هذا. لكن هذا المهرجان ومهرجان القاهرة السينمائي الذي يُقام كل عام منذ أكثر من أربعين سنة يجعلاني أتساءل. هل لدينا في مصر الآن إنتاج سينمائي كافٍ ؟ الإجابة طبعا لا. فعدد الأفلام المُنتجة كل عام الآن لا يتجاوز خمس عشرة فيلما بينما كانت مصر في يوم ما تسمي هوليود الشرق لكثرة إنتاجها وتنوعه فقد كان يتجاوز الستين فيلما في العام. لقد تم تجريف الإنتاج السينمائي كما تم تجريف الصناعة والزراعة. المصانع التي أممت أو التي أقيمت أيضا في الستينات من القرن الماضي تم بيعها بدءا من السبعينات وازدادت حركة البيع بحجة العودة إلي النظام الرأسمالي أو المشروع الحر.
أكثر هذه المصانع التي تم بيعها والتي تنتظر صارت خرابا واختفي كثير جدا من المنتجات المصرية وانفتح الباب للاستيراد. جري الأمر نفسه علي السينما مع شيء من الاختلاف. فحين تم تأميم المصانع أول الستينيات أُممت صناعة السينما، وأنشئت المؤسسة العامة للسينما لإنتاج الأفلام التي تتبع القطاع العام في مصر، انخفض الإنتاج قليلا لكن ازداد الإنتاج الجيد ودخلت السينما إلي فن الرواية باتساع فزاحمت روايات نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم وثروت أباظة وغيرهم روايات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس التي كانت الأكثر رواجا في السينما قبل تأميمها. وظهرت أجيال من المخرجين بعد جيل الرواد حتي جري ما جري لقطاع الصناعة. أعني حل مؤسسة السينما وإرجاع الإنتاج إلي القطاع الخاص. وهنا الاختلاف الذي أشرت إليه. فالمنتج الخاص الجديد للسينما لن يحصل من الدولة علي أي شيء. لا ستوديو ببلاش ولا كاميرات مجانية مثلا يبدأ بها كما حدث مع من اشتروا المصانع. سيبدأ من الصفر.
واكب ذلك هجوم علي هذا الفن العظيم باعتباره حراما فصار أصحاب السينمات يبيعونها لتُهدم أو تُحول إلي عمارات ومولات أو مسارح أفراح في الوقت الذي اتسعت فيه مساحة الإنتاج التليفزيوني الذي يكون عبوره بين البلاد العربية أسرع رقابيا، وتوالي الهجوم بالسرقة علي السينما من محطات التليفزيونات الخاصة فصار الكثير منها يسرق الفيلم ويعرضه فور عرضه السينمائي وكذلك من يفعل ذلك علي اليوتيوب ومن ثم لم يتشجع الإنتاج السينمائي فالخسارة دائمة أو الربح قليل. لم يعد يحقق الربح الكبير غير الأفلام التافهة التي تعاني من عشوائية الفكر التي تتسق مع عشوائية الحياة التي صارت حولنا. ذكرني مهرجان الجونة كما يذكرني مهرجان القاهرة السينمائي بهذا التاريخ الموجز لهذا الفن العظيم. الذي كان يوما هو وزراعة وصناعة القطن أول مصدر دخل للدولة. وكما جري علي صناعة وزراعة القطن جري علي السينما. والآن اسأل السؤال هل يمكن أن تعود السينما ؟ لا شيء ينقص عودتها من ناحية الكتابة أو الممثلين أو المخرجين من كل الأعمار أو المصورين إلي آخر أدوات الإنتاج، لكن العودة التي أقصدها هنا تعني الإنتاج الكبير.
كنا ننتج خمسين فيلما علي الأقل حين كان تعدادنا عشرين مليونا فقارن الآن. لقد حاولت الدولة في عهد وزارة الدكتور الجنزوري الأولي أيام حسني مبارك أن تدفع الروح في هذا الفن فوضعت شروطا مالية لشركات الإنتاج لكن هذه الشروط جعلتها محدودة العدد ولم يفكر أحد أن الإنتاج صناعة لصاحبها الحرية أن يبدأ كبيرا أو صغيرا فهو الذي يتحمل النتائج. كما لم تحدث حركة في بناء قاعات سينما تناسب أو تدعو إلي إنتاج كبير. قارن بين عدد القاعات التي تم افتتاحها في الثلاثين سنة الماضية وعدد ما هدم من القاعات تجد ما تم افتتاحه لا يصل إلي ربع ما هدم رغم تضاعف السكان مرات. لماذا لا يوجد إقدام كبير علي إنشاء قاعات سينما كثيرة؟ الإجابة أين الأفلام؟ لماذا لا يتم إنتاج كثير من الأفلام؟ الإجابة أين القاعات التي تستوعب ذلك؟ والدائرة مفرغة.
وسؤالي بعد هذا كله هل يمكن البحث عن طرق لدعم وتنشيط الإنتاج السينمائي تغري شركات الإنتاج. أنا شخصيا لا أعرف كيف يتم ذلك وأهل السينما أدري بشعابها ويظل السؤال كيف تعود السينما رافدا كبيرا للاقتصاد والثقافة والفن من أهم أسئلة بناء هذا الوطن.