الأخبار
كرم جبر
معركـــة وزيـــر التعليــم الصورة مش واصلة للناس
إنها مصر

ما يستهدفه وزير التعليم الدكتور طارق شوقي من النظام الجديد، هو خلق طالب عصري، تتخاطفه أسواق العمل، ويتم تأهيله بتشغيل »العقل»‬ وليس »‬الحفظ»، فالتابلت ليس غاية ولكنه وسيلة، للتعلم والتدريب والإدراك، واللحاق بمتطلبات العصر.
نظام التعليم الحالي في رأي الوزير تركة ثقيلة، لا تعليم ولا تدريب ولا ثقافة، وتولد في أذهان التلاميذ وأولياء الأمور، أن يحصل الطالب علي مجموع كبير، حتي لو كان بالغش، ويدفعون طائعين آلاف الجنيهات شهرياً للدروس الخصوصية والكتب الخارجية.
وتحولت الثانوية العامة إلي »‬كابوس» للبيوت، و»‬معركة حربية» للدولة لمقاومة الغش والاعتداء علي اللجان وتسريب الامتحانات، ويعلن المجتمع حالة التأهب القصوي، في صراع تحديد المصير، وصار المشهد المعتاد، هو صراخ الطالبات وبكاء الأمهات أمام اللجان، إذا كان الامتحان صعباً.
وزير التعليم قرر أن يدخل »‬عش الدبابير»، ومواجهة المافيا العشوائية التي تسيطر علي عملية التعليم، ابتداء من أثرياء الكتب الخارجية، ومعظمهم غير مؤهلين وأحدهم سكرتير في إحدي المحاكم، اشتهر بتأليف أشهر الملخصات ويجني من ورائها ثروات طائلة، ناهيك عن أباطرة الدروس الخصوصية، الذين يبدأ الحجز عندهم قبل الدراسة بشهور.
الأسر تدفع طائعة 25 مليار جنيه سنوياً للدروس الخصوصية، وانتشرت السناتر »‬جمع سنتر» في الشوارع والأزقة دون رقابة، وأصبحت المدارس مجرد جراج للطلبة، يقضون فيه ساعات قليلة، قبل أن يبدأ مسلسل التزويغ والغياب، وكان طبيعياً أن يكون المنتج النهائي بنفس السوء.
رؤية وزير التعليم التي طرحها،هي أن يبني جيلاً جديداً، مع إصلاح القديم، أو علي حد تعبيره بناء عمارة جديدة وإصلاح المباني المتهالكة، ولن تؤتي تلك الخطة الطموحة ثمارها المرجوة، إلا بعد 12 سنة، عندما تبدأ الإزاحة من الأجيال الجديدة، للنظام المتآكل، والسير في نفس الوقت في عملية إصلاح شاملة لنظام التعليم الحالي بكل مدخلاته.
الوزير يؤكد انه يواجه حرباً ضروساً، تقودها »‬سوشيال ميديا»، وتصرف الأنظار عن الجراحة الجريئة الضخمة التي تتم، لصالح تضخيم مشاكل أخري متوارثة، مثل الكثافات العالية في الفصول، وحوادث الاعتداء علي بعض التلاميذ، وكلها ليست جديدة وليس لها علاقة بالنظام العصري المزمع تنفيذه.
القوي المتربصة لن تستسلم، فهي تمتلك الأموال، وترفض الاقتراب من مكاسبها التاريخية، التي نتجت عن نظام تعليم عشوائي، يدفع الوطن ثمنه، ولا يلبي احتياجات التنمية، ولا بناء مواطن صالح يستطيع أن يخدم نفسه وبلده.
المشكلة تحتاج إمكانيات هائلة، بالأرقام 130 مليار جنيه لبناء 265 ألف فصل جديد، تكلفة الواحد نصف مليون جنيه، وميزانية التعليم لا تتجاوز 80 ملياراً، منها 68 مليارا للمرتبات و12 مليارا فقط للتطوير والتحديث وبناء المدارس وكافة الاحتياجات الأخري، والحل الوحيد هو إطلاق طاقات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأهلي والمستثمرين، ليشاركوا في تمويل بناء وفتح المدارس، بعد إزالة العقبات التاريخية التي تحول دون ذلك.
وفي الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلي للإعلام، برئاسة الأستاذ مكرم محمد أحمد، وحضور كوكبة من الإعلاميين ورجال الفكر، تم إقرار بعض التوصيات المهمة والضرورية للخروج من النفق المظلم، أهمها توعية الأسرة المصرية بالمخاطر الشديدة التي تواجهها، إزاء الإصرار علي استمرار نظام تعليمي منهار، يقود إلي الأزمات والفشل.
الوزير لديه إصرار علي الاستمرار في المواجهة، وقدم نماذج رائعة للكتب المدرسية، التي توقظ في التلاميذ ملكة التفكير والإبداع، وتنقذهم من كابوس الامتحانات، وتضع أقدامهم علي أعرق النظم التعليمية في العالم، والتي ساهمت في إعادة بناء دول عريقة مثل إندونيسيا وبريطانيا وغيرها، فلسنا أقل منهم، ولدينا أجيال تمتلك الذكاء والمهارة، ولكنها تفتقد التجهيز والتعليم.
يؤكد الوزير اهمية اقتحام مشوار الألف ميل، وتدبير الاحتياجات، لتمويل أكبر خطة في تاريخ التعليم في مصر، والمهم أن تصل الرسالة إلي المجتمع، إلي الآباء والأمهات والأسر، الذين يدفعون قوت يومهم لتعليم أبنائهم، فتكون النتيجة خريجين يجلسون في البيوت، يعانون البطالة والفقر والاكتئاب، بينما تزخر الحياة بفرص هائلة، تنتظر من يقتنصها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف