زياد السحار
المالك والمستأجر .. علاقة شائكة
كالعادة.. ومن سنة لأخري علي مدي ثلاثين عاماً.. عادت مشكلة إيجارات المساكن القديمة تطرح نفسها.. مع مقترحات لقانون جديد للعلاقة بين المالك والمستأجر.
ولسوء حظ هذا القانون.. وسوء حظ مُلاك هذه العقارات القديمة. أن غالبية هؤلاء النواب اعتادوا أن يطرحوا أفكارا وحلولا غالباً ما تبالغ في مصلحة هؤلاء الملاك الذين لا يختلف أحد علي الظلم البيِّن الذي وقع عليهم طوال هذه السنين. نتيجة تثبيت القيمة الإيجارية منذ الخمسينيات وستينيات القرن الماضي وربما قبلها.
ولكن بالطبع تصطدم هذه الحلول بالواقع المعاش والظروف الاقتصادية الصعبة التي لا تسمح للمستأجرين المستحقين للسكن وكثير منهم من كبار السن وأصحاب المعاشات أو الأرامل.. وتكون النتيجة هي تأجيل إصدار هذا القانون وترحيله من دورة برلمانية لأخري دون أن يحدث أي تقدم في هذه المشكلة التاريخية.
والمتابع لهذه القضية يلاحظ أن المأزق الصعب الذي يعطي كلا من المالك والمستأجر مبرراتهما.. فالمالك أو ورثته يتقاضون إيجاراً لشقة أيا كان مكانها لا يزيد علي ثمن نصف كرتونة بيض. أو نصف كيلو جنبة بيضاء.. والمستأجر يقول إنه رتب حياته علي هذه القيمة الإيجارية. والدخل علي قد الصرف. ويبرر موقفه بأنه دفع ثمن الشقة علي مر السنين. أو دفع خلواً للرجل مائة وخمسين جنيهاً بقيمة الجنيه الذهب هذه الأيام.. ولكنه يرفض أن يعترف أنه يدفع راضياً أضعاف هذه الأجرة كقيمة للمياه أو فاتورة الكهرباء والغاز. أو أجرة البواب ونظافة العمارة.
ولكن ــ للأمانة ــ من حق هؤلاء المستأجرين أن يشعروا بالخطر من مقترحات بعض النواب التي تدعو إلي إنهاء العلاقة الإيجارية. وإخلاء المكان. بما يعني طرد المستأجر ليكون مصيره الشارع في ظل الأسعار الفلكية للشقق سواء التمليك أو الإيجار وفقاً للعرض والطلب.
ومن الغريب في الأمر أن تجد شقة كان إيجارها عشرة جنيهات شهرياً. وعندما يتم إخلاؤها بوفاة المستأجر وزوجته وعدم وجود أبناء غير مقيمين معهم بالعين المؤجرة.. إنها علي الفور يتم "إيجارها قانون جديد" بما يتراوح ما بين ألفين إلي عشرة آلاف جنيه خاصة إذا كانت في حي راق كالزمالك أو مصر الجديدة أو جاردن سيتي.. وربما بأكثر من ذلك إذا تم إيجارها تجارياً. إذا كانت في طابق أرضي ليتم تحويلها إلي مقهي أو "كافيه" بلغة هذه الأيام.
* * *
ولكن المطمئن في الأمر هو البيان الصادر مؤخراً عن لجنة الإسكان بمجلس النواب. خاصة أنه يفرق بين المستأجر المستغل الذي يحتفظ بالشقة دون وجه حق. ويؤجرها من الباطن في نشاط تجاري.. وبين المستحق الذي يسكن في الشقة هو وزوجته ولا يطمع في توريثها لأحد أبنائه بالتحايل. وجلب الأحفاد للسكني معهم. هذا بالتأكيد ما يجب أن يتدخل فيه الحوار المجتمعي مع القانون. وأتصور أن القُضاة العدل. دائماً ما يقفون مع الحق في مصلحة المالك. ويقومون بإخلاء العين المؤجرة وإعادتها لمالكها.
والمطلوب في هذا الحوار المجتمعي الذي طالبت به لجنة الإسكان بالبرلمان هو محاولة إعادة العلاقة الإنسانية التي كانت تربط بين المالك والمستأجر في الماضي.. عندما كان التجار وأصحاب الأعمال يستثمرون مدخراتهم في بناء العقارات لتوفير المسكن لأبنائهم.. وما يفيض من وحدات يتم تأجيرها لأسر شابة جديدة غالباً ما كان الملاك يقومون بانتقائهم بأنفسهم منعاً للمشاكل.
ولكن ساءت هذه العلاقة عندما تدخلت حكومات الثورة في أوائل الستينيات بتخفيض الإيجارات بغرض كسب الرضا الشعبي علي حساب هؤلاء الملاك.. ولكن ــ للأسف ــ دفع الأبناء والأحفاد الثمن بعد ذلك عندما عزف الميسورون عن البناء أو اتجهوا للتمليك الذي وصل معه ثمن الوحدة السكنية الآن لحوالي المليون جنيه!!
* * *
وأتصور أن المستأجرين ــ وهم الغالبية ــ لا يمانعون في زيادة القيمة الإيجارية بنسب معقولة لا تزيد علي عشرة في المائة سنوياً. منذ وقت تحرير عقد الإيجار تعويضاً عن السنوات الماضية. بحيث يصبح إيجار الشقة التي كان ايجارها منذ ثلاثين عاماً عشرة جنيهات حوالي 300 - 400 جنيه هذه الأيام.. مع تفعيل قانون إتحاد الشاغلين والحفاظ علي صيانة هذه الثروة العقارية.
أعتقد أن هذا الحوار المجتمعي مطلوب بشدة في هذه القضية الشائكة.. بعيداً عن مقترحات إخلاء العين المؤجرة بغير وجه حق. لأن هذه هي الصخرة الكبري التي يتحطم عليها أي مشروع قانون للعلاقة بين المالك والمستأجر!