محمود سلطان
حكايتي مع اللحية والملتحين!
في طريقي إلى المدينة المنورة، انعطفنا يسارًا، لأداء صلاتي الظهر والعصر، في مسجد صغير مطل على الطريق الصحراوي.
خلال رحلتي، أهملت حلق لحيتي لأيام، طالت بشكل لم أعهده في حياتي، شرعت في حلقها قبل الوضوء في المسجد.. دخل علىّ رجل بدا من هيئته أنه تركي الجنسية، كث اللحية، في الأربعينيات من العمر.. وعندما رآني، أحلق "ذقني" انتفض الرجل وكأنه قد مسه عفريت من الجن، وصرخ في وجهي وهو "يبرطم" بلغة لم أفهمها.. وكل ما فهمته أنه يكيل لي "الاتهامات" الماسة بمدى تقواي أو ورعي بسبب ما رأى (حلق الذقن).. وانصرف غاضبًا!
بعد أن قضيت الصلاة، رأيت الرجل ينظر إليّ، طوال الطريق نظرة، لا تخفي إحساسًا بـ"الاستعلاء".. ولغة جسد تعكس نزعة خيلاء وتميز عني أنا "حليق اللحية"!
بعد أداء المناسك، اقترحت زوجتي السفر إلى "جدة" ـ 70 كيلو متر تقريبًا من مكة المكرمة ـ للتسوق وشراء الهدايا وما يلزمنا من احتياجات البيت في مصر.
أدركنا وقت الظهر: دخلت مسجد وسط المدينة، ودلفت زوجتي إلى مصلى مخصص للنساء.. خرجت بعد أداء الصلاة ووقفت قبالة المصلى منتظرًا خروج زوجتي.. وقف بجواري شاب بدا من هيئته بأنه يمني.. سألني متجهما، أنت مصري؟! قلت له نعم!
وقبل أي كلام ودود.. بادرني بالسؤال: أين لحيتك يا رجل؟!
تذكرت على الفور ما حدث لي في الطريق مع الحاج التركي.. وتساءلت في نفسي: أيه حكاية اللحية معي ومعكما.. قلت له: إنها ثقافة مجتمع في سياق زمني معين!
قال لا أفهم كلامك!!.. وأضاف: حسنًا! ربما تحلقها لأسباب أمنية (كل ملتح في مصرٍ، هو محل شكوك ومراقبة من الأمن) هكذا قال.. ثم سأل مجددًا: اللحية وقلنا خوف.. طيب أين هو شاربك؟! وبدأ يخبط في "الحلل".. وشرع في طرح الأسئلة "المهينة": طب كيف نفرق بينك بين المرة (المرأة)!
لم ينقذني من "جهالته" إلا أني لمحت زوجتي تخرج من المصلى، تجاهلته وناديت عليها وانصرفت!
لاحظت أنه لا فرق بين التركي "الملتحي" الذي "أهانني" في الطريق.. وبين اليمني "الملتحي" الذي سخر مني وأهانني أيضًا أمام المسجد في "جدة".. تشابهت قلوبهما!
لغة لا تخلو من الاستعلاء والتميز على الآخرين "غير الملتحين"، ونزعة دفينة لفرض الوصاية على كل مخالف.
في المساجد في مصر قلما تجد ملتحيًا، يلقي عليك السلام، ينظر إليك "متأففًا" ثم ينصرف، وعندما تواترت هذه الظاهرة، سألت أحدهم، لم هذا التعالي على غير الملتحي.. قال إننا نعتبرك "مبتدعًا" فلا تستحق إلا أن تعاقب بـ"العزلة الشعورية".. وأن يصدر إليك الإحساس بالاغتراب!
وهذه مشكلة تحتاج إلى تفسير وإلى مقال آخر: كيف تحول "التأسلم" الرمزي أو الشكلي.. إلى أداة تعالي و"عنطزة".. واستبطان شعور داخلي بأن أهله هو فقط أهل الله وخاصته.. وغيرهم هم "حصب جهنم وبئس المصير"!
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.