الجمهورية
السيد البابلى
شهادة العادلي.. واستدعاء مبارك.. والمؤامرة..!
كنا في حاجة إلي أن نستمع إلي شهادة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق في قضية اقتحام السجون المتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي و27 آخرون.. فحبيب العادلي الذي يظل أسطورة لدي الذين عملوا معه.. والذين سمعوا به.. والذين كانوا يرتعدون عند ذكر اسمه. تحدث أمام المحكمة علي مدي أربع ساعات كاملة في شهادة للتاريخ من الرجل الذي كان مسئولاً عن أمن مصر عندما اندلعت أحداث أو ثورة يناير 2011.
وببساطة وباختصار فإن العادلي لا يراها ثورة ويؤكد أنها كانت مؤامرة ويتساءل كيف تكون ثورة وقد تم فيها تخريب وقتل وسرقة في البلد. وباختصار ايضا فإن العادلي يقول إنها كانت مؤامرة وضعت من قبل أمريكا في 2004 ونفذت في 2011. ولكن العادلي بالطبع الذي كان يعرف دبة النملة ويسمع بها في وقتها لم يتحدث كثيراً في شهادته عن إخفاقه في منع وقوع المؤامرة.. ولماذا لم تكن الأجهزة الأمنية علي دراية كاملة بحوارات وتجهيزات ودعوات "الفيس بوك" التي قادت أول تحرك ثوري إلكتروني في ميدان التحرير.. والعادلي لم يتحدث بالطبع ايضا عن الإجراءات التي كان يجب اتخاذها لإجهاض الثورة بتنفيذ حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية التي كانت كفيلة بالقضاء علي فكرة الثورة علي النظام.. والعادلي الذي فضل أن يلقي كل المسئولية علي أمريكا وأنها المخطط والمحرك للثورة تجاهل بالطبع جملة أخطاء نظام مبارك في معالجة القضايا الداخلية وهي الأخطاء التي جعلت الشعب يريد إسقاط النظام..!
ہہہ
إننا مع العادلي في أن ثورة يناير 2011 كانت مؤامرة من الخارج بدراسة وتحضير ودعم أمريكي.. ولكننا ايضا علي يقين كامل بأن أي مؤامرة من هذا النوع لا يكتب لها النجاح ما لم تكن الأوضاع في الداخل مهيأة للتغيير. وأوضاع الداخل كانت تمهد للثورة. للتغيير. ولرفض سياسات النظام.. فقد كان هناك حديث عن التوريث. وإجراءات كانت تتخذ في هذا الشأن. ورجالات جمال مبارك انتشروا في العديد من المواقع يمهدون للرئيس القادم وكأن مصر عادت إلي عصر الدولة الملكية يتم فيها توريث السلطة دون النظر إلي إرادة وقرار الشعب.
وكان هناك فساد تحول إلي منظومة هائلة في ظل تزاوج المال والسلطة بحيث أصبحت الكلمة لرجال الأعمال ولمصالحهم الخاصة وازداد الغني ثراء وازداد الفقير فقراً. وباتت الفجوة تتسع وتتسع بين الأغنياء والفقراء لتفرز أحقاداً اجتماعية هائلة.
وكان هناك حالة من اليأس من إمكانية حدوث تغيير أو إصلاح بعد سيطرة رجالات الحزب الوطني الحاكم علي كل المواقع وعلي البرلمان في أكبر عملية تزوير لنتائج الانتخابات أصابت المعارف وأصحاب الرأي الآخر بالإحباط.
وكان هناك تأجيل لإيجاد حلول لمشاكل مصر المزمنة دون وجود دراسات أو خطط قومية لمعالجتها أو البدء فيها بجدية لمنع تفاقمها وتأثيراتها السلبية علي الأجيال القادمة.
وكان هناك إحساس عام بأن النظام قد ترهل ويعاني من أمراض الشيخوخة وتوابعها.. ويرفض الاعتراف بذلك.
وفي ظل هذه الأجواء.. وجدت المؤامرة صدي في الداخل وانخدع الناس بشعارات الثورة.. عيش - حرية - عدالة اجتماعية. لأن الشعارات ترجمت أحاديث الشارع وتطلعاته وأمانيه.
وعندما انخدع الشارع بهذه الشعارات تحولت المؤامرة إلي ثورة وسقط الحكم بسهولة لأنه كان مخوخاً من الداخل. ولم يكن في مقدوره أن يصمد ضد الإرادة الشعبية التي احتضنت الثوار.
ہہہ
وسيأتي الرئيس السابق حسني مبارك إلي المحكمة في الثاني من ديسمبر القادم ليتكلم ويدلي بشهادته للتاريخ في أول سابقة من نوعها في مصر يقوم فيها رئيس سابق بالشهادة في قضية تتعلق بإزاحته من الحكم. وسيتحدث مبارك. ولا يتوقع أن يختلف حديثه كثيراً عن حبيب العادلي لأن مصدر المعلومات واحد والمدرسة واحدة. ولكنه سيقدم رؤية أوسع لتفاصيل ما حدث وخاصة إذا ما تطرق في شهادته إلي تفاصيل ما دار بينه وبين الأمريكان لكي يتخلي عن الحكم طواعية.. وتفاصيل الساعات الأخيرة والتي أصر فيها علي البقاء مع عائلته في مصر رافضاً مغادرتها في خطوة تجبرنا وتدفعنا دائماً إلي احترام هذا القرار الذي تحول لنوع من الإعجاب والتقدير كان سبباً في تعاطف الرأي العام مع مبارك أثناء محاكمته.
وشهادة مبارك التاريخية ستشرح ايضا كيف انهارت كل أجهزته وتنظيماته ولم تصمد طويلاً أمام توغل جماعات وتنظيمات مسلحة داخل مصر.. كيف دخلت.. وكيف تحركت بأمان.. وكيف اقتحمت السجون.. وكيف أخرجت السجناء..!
إن شهادة مبارك لن تكون مجرد سرد لوقائع بقدر ما يجب أن تحمل إجابات واضحة عن نظام فشل في حماية أمن مصر ولم يتمكن من منع انتشار الثعابين في الداخل.. ويتحدث بعد ذلك عن مؤامرة..!
ہہہ
وأخيراً.. إذا كنا أحياء.. وشهوداً علي مرحلة نعيشها ونتابع عن قرب كل ما فيها.. ومع ذلك نجد أنها تكتب وتسجل بمائة وجهة نظر.. وبمائة رواية متضاربة.. فهل سنصدق شيئاً عن التاريخ الذي كتب ويكتب عن وقائع مضي عليها عدة قرون..!! التاريخ أصبح علي ما يبدو مادة للتسلية والتوظيف السياسي وتصفية الحسابات..!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف