الأخبار
محمد درويش
نقطة في بحر - الدروس الخصوصية.. أبوها راضي وأنا راضي
نقطة في بحر
في الوقت الذي كان فيه الأستاذ عبدالرحيم حمدي مدرس الطبيعة لطلاب الثانوية العامة في مدرسة بنبا قادن الثانوية في العام الدراسي ١٩٧٢/١٩٧٣ يعتذر لي عن ازدحام جدول الدروس الخصوصية وأنه ليست هناك فرصة أمامي للحصول علي الدرس، واستطرد يمكنك ان تأتي في السابعة صباحا وقبل موعد جرس المدرسة بساعة كاملة في المدرج الكبير حيث أقوم بشرح المنهج من بدايته دون مقابل لمن يرغب سواء من طلاب المدرسة أو المدارس الأخري المحيطة بها مثل الخديوية الثانوية والخديو إسماعيل.
تذكرت موقف أستاذي في الثانوية وتذكرت أيضا موقف أستاذ الرياضيات القبطي الذي كان يعطينا دروسا خصوصية أنا وزميلتين من الجيران في منزل إحداهما مقابل خمسين قرشا لكل منا واذكر انه في يوم وقفة عيد الأضحي رفض الحصول علي أتعابه، قائلا لنا كل عام وأنتم بخير.. الموقفان ذكراني أيضا بأنني كنت ادفع في عام ٢٠٠٥ (٤٠٠) جنيه شهريا في مركز للدروس الخصوصية كان يتلقي فيه ابني درسا في الفيزياء التي كان يدرسها بالانجليزية كتلميذ بمدرسة للغات.
الأحداث الثلاثة علي مدار ٤٥ عاما تؤكد لنا ان الدروس الخصوصية التي بدأت علي استحياء من المدرس والتلميذ لم تكن هي الأساس في العملية التعليمية، بل ظل المدرس يؤدي دوره داخل المدرسة كما ينبغي بل وصل الأمر إلي تخصيص ساعة مجانية يوميا في النصف الثاني من العام الدراسي وكأنه يقدم زكاة عن صحته وماله في مقابل القروش الزهيدة التي يحصل عليها من الدروس الخصوصية.
رويدا رويدا انسحب دور المدرسة حكومية كانت أو خاصة، ولم يعد هناك مدرسون مثل من عاصرناهم، أصبح الثراء الفاحش غاية إلا أن الوسائل إليها لم تعد علي قدر من النزاهة التي تجعل المدرس يؤدي دوره كما هو مطلوب منه في مدرسته قبل أن يؤديه في مركز الدروس الخصوصية.
هل تفلح حملات الهجوم علي المراكز الخصوصية في التخلص من الظاهرة التي تكبد أولياء الأمور مليارات الجنيهات سنويا ودون أن تسير في خط مواز عمليات إصلاح منظومة التعليم الحكومي بداية من القضاء علي كثافة الفصول مرورا بعودة الأنشطة إلي المدرسة ونهاية بمرتب المعلم وتعويضه من خلال المجموعة المدرسية.
هل سيصلح الأسلوب البوليسي في الحد من الظاهرة أم أنها ستنتقل إلي سوق سوداء داخل المنازل والوحدات السكنية وما يتبعها من زيادة في قيمة الحصة الخصوصية.
القضية مثل شجرة راسخة الجذور وتخرج منها فروع كثيرة فهل يكفي الإمساك بفرع واحد لتقليمها أم لابد أن تسير الأمور في خطوط متوازية لتستقيم الفروع كلها ولتدع الفرع الأعوج يسقط من تلقاء نفسه.
في يوم ما كتب الزميل الراحل كرم سنارة مقالا بعنوان أبوها راضي وأنا راضي ضاربا المثل برضا طرفي منظومة الدروس الخصوصية ومعترضا علي اسلوب الوزارة في عهد الراحل د.حسين كامل بهاء الدين في المواجهة المباشرة دون الانتباه لسائر أطراف العملية التعليمية.
وها أنا أكررها للدكتور طارقي شوقي ولا أضيف وانت مالك يا قاضي ولكن علي القاضي أن يبحث في الجذور قبل أن يعترض علي الرضا القسري بين الطرفين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف