المصريون
محمود سلطان
مَنْ يجرؤ على نقد التاريخ الإسلاميّ؟!
قلتُ إن مقالي السابق (الإسلاميون.. "الجزء" يحمل صفات "الكل")، إنَّه استهلال لمقال لاحق؛ تعقيبًا على الاعتداء الإجرامي على مواطنين مسيحيين مسالمين "عُبَّاد"، يمّموا وجوههم شطر الأديرة.
في التعقيبات التي وصلتني من إسلاميين كانت من هذه النوعية: "الكتابة عن مقتل المسيحيين الأبرياء يجعلك مقربًا من مراكز القوى لكن الكتابة عن مقتل المسلمين الأبرياء.. يجعلك من المغضوب عليهم.. دم 7 نصارى عندك أغلى من دم عشرات آلاف من المسلمين عندما تقف أمام الله ستعلم كم هو غالٍ دم المسلمين عند القوي العزيز ولا تعلم ربما يحدث هذا غدًا"!!.
التعقيبات ـ وكلها من هذه النوعية ـ تضمر وعيًا إسلامويًّا مشوهًا منحرفًا حتى عن التصور الإسلامي لحرمة الدم وحفظ النفس سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، ولعلهم يقرأون قول الله تعالى: "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَ اهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
والنفس ـ هنا ـ ليست على "الهوية" الدينية.. إنها أي نفس مسلمة أو غير مسلمة.. مؤمنة أو كافرة.. إنه الإنسان أيًّا كانت ديانته أو ملته أو من لا ديانة أو ملة له.. ولكن نزعة إضفاء "القداسة" التي على دم المسلم وحده، ونزعها عن غيره من أصحاب الملل والمذاهب الأخرى.. هي إحدى تجليات تنامي نزعة الإحساس بالتميز والخيرية والاصطفاء والاستعلاء لمجرد أن يرتقي الشخص من منزلة "المسلم" إلى منزلة "الإسلامي".. ثم تتعزز هذه المشاعر داخل الهوس بالتنظيم أو الجماعة لتستقر عند استبطان المنطق اليهودي "نحن أبناء الله وأحباؤه": الله ربنا وحدنا ولا رب لكم..!!".
وللإنصاف.. فإن التدثُّر بـ"القداسة"، وإن كانت هي اللون الأوضح عند الإسلاميين، إلا أنها أيضًا تشكل جُزءًا من أزمة العقل المسلم في عمومه.. فالقداسة ولمكانتها عند عوام المسلمين، تحولت إلى "أداة نصب" وتحايل وتضليل في كثير من الأحيان:
فالتاجر قد يكون نصَّابًا، ويعلق على حانوته لافتة "بقالة مكة" أو "نور الإسلام" أو "الحرمين" أو "المدينة المنورة.. مثلًا.. وذلك لأنه ـ أي هذا النصَّاب ـ يتوقع رد فعل يستجيب لخدعته، لعلمه أن الناس توقر كل هذه العناوين وتحترمها وتتوقع من يستخدمها أن له ضميرًا دينيًّا يعصمه من النصب والاحتيال.. ولعلنا نتذكر شركات توظيف الأموال التي نصبت على المصريين باسم الإسلام.. أعلم أنهم لا يمثلون الإسلام ولكن استغلوا إضفاء القداسة التلقائية على كل مشتقات الإسلام من عناوين وأسماء وتاريخ.. حتى بات التاريخ الإسلام يُدرَّس في المدارس والجامعات وكأنه "نص مقدس"!.. بات بمضي الوقت معصومًا من النقد.. ومن يقترب منه تطارده فتاوى التكفير أو الشتائم والاتهامات التي تخوض في دينه وعرضه.. من مثلًا يجرؤ على أن يسأل: "لمَ كل هذه الدماء في تاريخ الإسلام السُنيّ (والشيعي أيضًا)؟!".
لا أحد!! لأن كل ما هو إسلامي بات في الضمير الجمعي عند المسلمين مقدسًا.. وسدنته وكهنته من الإسلاميين حراس عليه.. وحرابهم جاهزة لقنص كل من يقترب منه بطرح الأسئلة.. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف