الجمهورية
على هاشم
أثرياء مصر.. والأسئلة الواجبة!!
رأس المال بطبيعته جبان. ومن ثم فإنه ما من مناسبة إلا ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي علي طمأنة رجال الأعمال وتبديد مخاوفهم وهواجسهم بأنه لا ابتزاز لهم من أحد ولا تضييق عليهم في بلدهم وأعمالهم.. ولم تدخر الدولة جهداً في ترجمة تلك الطمأنة "الرئاسية" إلي إجراءات وتشريعات تيسر الحصول علي تراخيص المشروعات المختلفة بأقل جهد ووقت ممكن مادامت تخدم اقتصاد مصر وتصب في صالح مواطنيها. فالقطاع الخاص شريك في التنمية. ومكون لا غني عنه في نظامنا الاقتصادي. تراهن عليه الدولة في تحقيق نهضتها واشباع احتياجات مواطنيها من السلع والخدمات بشفافية وحرية كاملتين.
ومنذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم وهو يدعو رجال الأعمال والأثرياء للإسهام ــ طواعية ومن منطلق الواجب الوطني الذي لا إكراه فيه ولا إجبار ــ بنصيب وافر في تنمية الوطن وانتشاله من معاناته الاقتصادية وظروفه الصعبة التي خلفتها سنوات ما بعد يناير 2011.. وهنا يحضرني قول الرئيس السيسي: "لو كانت بلادك فقيرة فأنت فقير مهما يبلغ غناك.. وذهب الرئيس لأبعد من ذلك حين أقسم أنه لو كان يملك 100 مليار جنيه لتبرع بها لمصر".. الأمر الذي يجعل رجال الأعمال وأثرياء هذا الوطن عرضة لتساؤلات عديدة تبدو طبيعية ومنطقية في ظروف كظروفنا.. فثمة من يتساءل وهذا حقه. ألم يكن لمصر فضل كبير علي أغنيائها وموسريها حين أعطتهم ــ بلا حدود ــ مقومات هذا الثراء وخيرات هذا النجاح ولم تضن عليهم بالمال والشهرة والأمن. ناهيك عما أنفقته عليهم تعليماً وصحة ورعاية في سني أعمارهم المختلفة.. فهل ردوا الجميل لبلدهم حين احتاج لذلك.. ولايزال السؤال موجهاً للأغنياء والمقتدرين ولكن بصيغة أكثر تحديداً. ماذا قدمتم لبلدكم في محنته. سواء في معركة البقاء الضروس ضد الإرهاب والتآمر. أو معركة البناء والتنمية.. ولماذا لم تبادروا بالاسهام في بناء ما تحتاجه مصر من فصول دراسية تزيد تكلفتها علي الـ 130 مليار جنيه.. فما أحوجنا لثورة حقيقية في التعليم والصحة اللذين أصابهما الاهمال وتراكم الأخطاء حتي باتا لا يصلحان لزماننا. ولا يتواكبان مع مستجدات عصرنا. وما تشهده مصر من نهضة في كل شيء حتي تمضي في مسيرتها نحو المستقبل.. أين دوركم في بناء المستشفيات والعشوائيات أو حتي مساعدة الدولة في إتمام مبادرتها للكشف عن فيروس "سي" وغيره من الأمراض السارية التي انطلقت مرحلتها الأولي بنجاح في بعض المحافظات.. ومتي تتحرك ضمائركم لأداء الدور الاجتماعي لرأس المال الذي هو حق أصيل في كل بلاد الدنيا.. وليس خافياً ما فعله مشاهير الأغنياء أمثال بيل جيتس ومارك زوكر بيرج وغيرهما.. فقد تبرعوا بالشطر الأعظم من ثرواتهم للأعمال الخيرية ودعم المجالات الإنسانية والعلمية والاجتماعية.. وهو ما أراه يتوافق مع رواية الإمام محمد عبده الذي قال: "رأيت في الغرب إسلاماً بلا مسلمين وفي الشرق مسلمون بلا إسلام".. فالتبرع والانفاق جعله الله حقاً معلوماً في أموال الأغنياء للفقراء ومصارف البر والخير في المجتمع.. فما جاع فقير إلا ببخل غني.. والله سائل أرباب الأموال عما استخلفهم فيه وعن ذلك الحق المعلوم الذي فرضه في هذا المال فهو عز وجل القائل: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".. فإذا قال قائل منهم: هذا بيننا وبين الله.. قلنا: فماذا عن حق الدولة عندكم.. هل سددتم ضرائبكم وسائر التزاماتكم أم تهربتم وتحايلتم عليها.. وإذا قلتم: وفينا بالتزاماتنا.. فلماذا إذا جاوزت المتأخرات الضريبية عشرات المليارات.
ومهما تكن الأمور فإن الذي لا خلاف عليه أن مصر في حاجة لأبنائها جميعاً. فقيرهم وغنيهم. فلن يبنيها إلا سواعدهم وجهودهم المخلصة وعملهم الدءوب وتوحدهم علي قلب رجل واحد. فإنما يكمن الخطر الحقيقي في الفتنة والفرقة والانقسام الذي يكرس له أعداء مصر الذين لا يرجون لها استقراراً ولا تقدماً.
أذكر أن الرئيس السيسي اجتمع يوماً برجال الأعمال الذين اقترحوا أفكاراً مهمة طالبت وقتها في هذا المكان بأن تدرس بعناية وينفذ الجيد منها علي الفور. فذلك هو وقت رد الجميل لمصر التي ينبغي لأغنيائها أن يبادروا بمد يد العون لها في شدتها كل بحسب استطاعته وطاقته.. فثمة من اقترح القيام بتطوير منطقة عشوائية تعليماً أو سكنا أو تشغيلاً للعاطلين أو قضاء علي الفقر أو الأمية.. وثمة من اقترح بناء محطة كهرباء أو مصنع جديد.. وثمة من استحسن استصلاح أراض جديدة تحقيقاً للأمن الغذائي.. وثمة من ذهب إلي ضرورة فرض ضريبة تصاعدية علي الأغنياء وتحصيل مليون جنيه مقدماً من كبار الممولين علي أن تخصم من وعائهم الضريبي علي عشر سنوات.. ورأي آخرون فرض رسم تنمية علي الدخول المرتفعة.. وهنا يثور سؤال: إذا كان لدينا رجال أعمال علي هذا النحو من الوعي والوطنية والاحساس بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال وإذا كانت الدولة في حاجة ماسة لجهود هؤلاء وغيرهم.. فلم كان كل هذا الانتظار.. ولماذا لم تتخذ اجراءات مدروسة وملموسة لترجمة أفكارهم القيمة علي بساط السرعة.. والسؤال: كم فكرة من تلك الأفكار وجدت طريقها للتنفيذ.. والأهم: ماذا بقي من هذا الحماس لدي رجال أعمالنا.. ومن يبادر اليوم بطرح وتبني أفكار مماثلة قابلة للتطبيق والنفع؟!
ما من شك أن هذا الوطن لم يضن بشيء علي أغنيائه وأثريائه بل منحهم الثروة والنفوذ والمكانة وقبل هذا وذاك حياة آمنة ووطناً قابلاً للحياة.. فماذا أخذ منهم في المقابل.. لا شيء ذا قيمة في رأيي. فلم ينتفضوا يوم تعرض لموجة إرهاب عاتية وظروف اقتصادية كادت تضع البلد علي حافة الافلاس.. ولم يدرك أغنياء مصر أن بقاءهم واستقرارهم مرهون ببقاء بلدهم قوياً متماسكاً في ظل دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون لا بلداً فوضوياً تسلطت عليه عقول متخلفة رجعية وذوو دعاوي باطلة ورغبة في القهر وسفك الدماء.. ألم يسأل هؤلاء الأثرياء أنفسهم: ماذا لو استمرت جماعة الإخوان في حكم مصر.. كيف كانوا سيأمنون علي أموالهم واستثماراتهم بل حياتهم.. أم كانوا سيهربون للخارج بأموالهم وأنفسهم.. وإذا نجحوا في ذلك فهل كانوا سيشعرون في الغربة بالأمن ودفء الوطن.. وهل فكروا في معاناة الفقراء والطبقة الوسطي الذين تحملوا ولا يزالون ــ كعادتهم ــ الشطر الأكبر من فاتورة القرارات الاقتصادية الاصلاحية أم تناسي هؤلاء أن فقراء مصر وهم عمالها وصناعها وحرفيوها وفلاحوها وجنودها في الجيش والشرطة وصغار موظفيها هم ملح هذه الأرض وأهلها الحقيقيون والقوة الحيوية التي هي مستعدة لدفع حياتها ثمناً للدفاع عن بلدهم إذا ما دعت الحاجة.. وهم أول من ضربهم الإرهاب في أرزاقهم وأعمالهم وأرواح أبنائهم ولم يفت في عضدهم أو يضعف عزيمتهم أو يوهن وطنيتهم ما قد يتعرضون له من ارتفاع غير مبرر للأسعار أو معاناة اقتصادية.
ما يجب أن ندركه جميعاً أنه لا وطن لنا ــ فقراء وأغنياء ــ إلا هذا البلد بكل ما ينطوي عليه من تناقضات وتحديات.. كما أن لدينا رئيساً يعلن في كل مناسبة أنه مع الناس. يشعر بمتاعبهم وآلامهم مؤكداً أن الشعب هو البطل الحقيقي في عملية الاصلاح الاقتصادي وهو ما يدعونا للاطمئنان مهما تكن حجم معاناتنا.. فرئيسنا يحرص أشد الحرص علي البناء والاصلاح والحفاظ علي هوية الدولة بعد استعادته هيبتها ومؤسساتها وحضورها الاقليمي والدولي رغم ما تقوم به الآلة الإعلامية القبيحة لجماعة الإخوان من تشويه للحقائق وطمس للانجازات.. ولم يعدنا الرئيس بجني ثمرات الاصلاح بين عشية وضحاها بل طالبنا بالصبر فمن يزرع شجرة يحصد ثمارها بعد سنوات وقد رحب الشعب بذلك ورضي بالتضحيات واعطاء الفرصة لصانع القرار حتي يعمر ويبني دولة للحريات والعدالة.. لكن ذلك مرهون بلاشك بترسيخ الاستقرار واستتباب الأمن ووعي المواطن وفهمه لما عليه من واجبات والتزامات تجاه دولته وعدم الالتفات لمحاولات البعض لنشر الاحباط واليأس واضعاف الروح المعنوية للمصريين.
لقد آن الأوان أن يختفي من حياتنا المتلونون والآكلون علي كل الموائد والكارهون لمصر.. أما من أراد أن يعبر عن رأيه بموضوعية قاصداً البناء والتعمير فلا شيء عليه.. أما المعارضة من أجل المعارضة واثارة البلبلة والهدم فهي مرفوضة. فالجماعة الإرهابية لديها كتائب الكترونية مدربة ومبرمجة وهو ما يجب أن نعترف به ونقاومه. ذلك أنه ليس غريباً علي تلك الجماعة التي تربت علي القتل والقنابل والتشكيك في كل شيء. كما أن لديها إعلاماً مضللاً يعمل بكفاءة. وهو ما يجب أن نتصدي له بإعلام أكثر وعياً وموضوعية ورشداً.
* ويبقي أن نقول لأغنياء مصر رفقاً بهذا البلد.. فقد آن الأوان أن تتحملوا نصيبكم العادل في فاتورة الاصلاح وبناء وتعمير مصر.. ولتكن البداية الجادة لدعم الدولة بالاسهام في بناء ما تحتاجه من فصول دراسية لاستيعاب الزيادة في أعداد التلاميذ الذين ضاقت بهم مدارسنا نظراً للزيادة السنوية الرهيبة.. فالتعليم هو قاطرة أي اصلاح وركيزة أي تقدم ورافعة أي نهضة حقيقية.
* د. المصيلحي.. متي تنضبط الأسواق؟!
د.علي المصيلحي حين تولي وزارة التموين متنازلاً عن رئاسته للجنة الاقتصادية بالبرلمان.. قلت وقتها في هذا المكان "إن انضمام عدد من الشخصيات ذات الحس السياسي والقدرة والكفاءة إلي المناصب الوزارية من الأمور المستحبة لتحسين الأداء السياسي. فالوزير منصب سياسي بالأساس يفترض أن يتصدي له من يملكون القدرة علي التعامل مع الجماهير برؤية واقتدار لردم الفجوة معها وتكريس التواصل والتفاعل وانتزاع الرضا والتأييد الجماهيري لسياسات الحكومة.. وقلت إن مشوار د.مصيلحي وعطاءه وانجازاته تؤشر لامكانية انتشال "التموين" من عثرتها واحداث طفرة في أدائها بتحقيق الاستقرار في الأسواق ووفرة في السلع الأساسية وانفراجة حقيقية في أزمة السيستم المتعلق ببطاقات التموين. فلن يعترف له المواطن لا للحكومة بالنجاح إلا إذا تحقق له الاشباع والوفرة بصورة ملموسة دون إرهاقه بأعباء إضافية أو زيادة غير مبررة للأسعار. وأن في انتظار د.مصيلحي ملفات وتحديات ضخمة أهمها ملف الدعم.. ويدرك الوزير أكثر منا أن للنظام الرأسمالي ضوابط والتزامات. أهمها ضبط الأسواق وتحقيق المنافسة العادلة ومنع الاحتكار والمغالاة والتعطيش وغيرها من الآفات الناتجة عن ترك السوق للقطاع الخاص يتحكم فيها بمنطق العرض والطلب دون تحديد هامش ربح محدد وعادل.
وسؤالي للوزير المصيلحي: ما رأيك في العشوائية الضاربة بجذورها في أسواقنا وما نراه من احتكار هو في حقيقة فساد اقتصادي عريض كرس للتفاوت الكبير بين الفقراء والأغنياء.
مهمة الوزير المصيلحي كبيرة. فهو بمثابة رمانة ميزان لسائر الوزارات لأن وزارته هي الأكثر ارتباطاً بحياة المواطن وتأثيراً فيها.. ولعل ضبط الأسعار أولي مهام الوزير حتي لو تطلب الأمر استحداث تشريعات لتحقيق العدالة والاشباع للفقراء.. فهل يثبت المصيلحي من جديد أنه وزير الفقراء.. الإجابة متروكة للمواطن الذي هو وحده الأقدر علي الحكم وتقييم الأداء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف