محمود سلطان
اغتيال الشافعي.. لماذا يؤلم الإسلاميين؟!
اعترض البعض على أني أعتمد على "معجم الأدباء" ليقوت الحموي، في واقعة اغتيال الشافعي على يد "المالكية" في مصر.. فيما لاحظت أن ثمة إصرارًا، على الاعتماد على رواية واحدة، وهي موت الشافعي ـ رحمه الله ـ مريضًا بالبواسير.. ويبدو لي أن رواية "يقوت الحموي" تسبب حساسية خاصة لدى الإسلاميين، إذ سيكون مؤلمًا لهم، استنطاق المسكوت عنه في ظاهرة "التصفية" على "الهوية المذهبية"، التي كانت سائدة في فترة التدوين: تصفية جسدية (كما حدث للشافعي) أو وكما حدث للإمام "النسائي" الذي قتل في دمشق بضربه بوحشية في خصيته.. أو تصفية معنوية كما حدث بين "الذهلي" و"البخاري" حين وصف الأول الثاني بـ"المبتدع" في مسألة "اللفظ".. رغم أن الذهلي لم يسمع عن البخاري، وإنما نقل له أن الأخير يعتقد في أن "لفظ القرآن مخلوق".. والواقعة موجودة تفصيلاً في "سير أعلام النبلاء" للذهبي.. وهو يتبوأ منزلة متقدمة في كتب التاريخ الثقة، إن لم يكن أصدقها على الإطلاق.. وورد في المصدر الأخير نصًا: "قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم، سمعت ابن علي المخلدي، سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية واللفظية عندي شر من الجهمية".
لكن تبقى الإشارة إلى أن واقعة الاغتيال، لم ترد فقط في "معجم الأدباء" وإنما أوردها ابن حجر في "توالي التأسيس" وقال نصًا: "قلت: قد اشتهر أن سبب موت الشافعي: أن فتيان بن أبي السمح المالكي المصري، وقعت بينه وبين الشافعي مناظرة، فبدرت من فتيان بادرة فرفعت إلى أمير مصر فطلبه وعزره فحقد ذلك فلقي الشافعي ليلا فضربه بمفتاح حديد فشجه فتمرض الشافعي منها إلى أن مات ولم أر ذلك من وجه يعتمد".
ولنا ـ هنا ـ ملاحظتان الأولى قول ابن حجر "اشتهر أن سبب وفاة الشافعي.. " وهذا يعني أن واقعة اغتيال الشافعي بالتفاصيل التي أوردها يقوت الحموي في "معجم الأدباء" كانت مشهورة ومعروفة.. ثانيًا اختتم ابن حجر كلامه بالتشكيك في تلك الرواية وذلك بقوله: ".. ولم أر ذلك من وجه يعتمد"!! ورجح موته بالبواسير!
ورغم عدم ثقته فيما تواتر عن واقعة اغتيال الشافعي على يد المالكية المتطرفين، إلا أنه لم يكن مطمئنًا لشكوكه في الرواية، ولذا لم يجد بدا من نقل قصيدة أبي حيان التي تثبت عملية الاغتيال بتفصيلها، قال ابن حجر: "وقد ضمن ذلك ـ أي اغتيال الشافعي على يد فتيان ـ شيخ شيوخنا أبو حيان في قصيدته التي مدح بها الشافعي. قال فيها:
ولما أتى مصر انبرى لإذائه أناس طووا كشحًا على بغضه طيا
أتى ناقدًا ما حصلوه وهادمًا لما أصلوه إذ كان بنيانهم وهيا
فدسوا عليه عندما انفردوا به شقيا لهم شلّ الإله له يديا
فشجّ بمفتاح الحديد جبينه فراح قتيلا لا بواء ولا نعيا
كما أورد واقعة الاغتيال ابن حجر الهيتمي المكي في "تحفة المحتاج".. الواقعة إذن ـ إن صحت ـ والمرجح أنها صحيحة، لم تحظ باعتراف "الشافعية" وتم التستر عليها في الماضي لأسباب تتعلق برغبة في حفظ مجتمعات "الطهر الديني" القديمة على بكارتها ونقائها.. وفي الحاضر أيضًا لدلالتها على أن العنف الديني الذي يحصد الأرواح حاليًا في معظم دول العالم الإسلامي، له أصول وغطاء ومظلة في تراث يحتاج إلى مراجعة جريئة.