د. عمرو عبد السميع
حالة حوار - عذاب القبر للأطفال
صدق أو لا تصدق.. هذا عنوان كتاب صدر عن إحدى دور النشر المتخصصة فى الشئون الإسلامية فى مصر وبقلم مؤلف مصرى، وكأننا لم نكتف بثقافة الرعب التى أشعناها فى نفوس وعقول الكبار، فقررنا مد نطاق التجربة لتشمل أرواح النشء والصغار، والموضوع ـ فى تقديرى ـ ليس مدى الصحة أو المبالغة الفقهية والشرعية فى موضوع عذاب القبر، ولكن فى اقتصار الرسالة التى نوجهها للناس (كبارا وصغارا) على أهمية واسعة جدا وعميقة لموضوع عذاب القبر وسط السياق الدينى والإسلامى بكامله، ثم فى عدم ملاءمة الحديث عن عذاب القبر للأطفال، فما هو نوع المنتج (بفتح التاء) البشرى الذى نرغب فى تقديمه للمجتمع عبر حشو دماغه بهواجس ومخاوف عن العذاب والقبر والثعبان الأقرع وغيرها من المسائل التى تحفل بها نصوص تراثية كثيرة كما تشى بأفكار مثل تلك التى يحفل بها الكتاب الذى أشرت إليه فى عنوان هذا العمود.. العقلية الخائفة المرتعبة والمرتعدة التى تقوم بتصنيعها مثل تلك النصوص هى مسألة ـ فى تقديرى ـ مقصودة لضمان الطاعة والانصياع لا بل والانبطاح أمام قادة تيارات التطرف والتخلف والجمود والرجعية، الذين يودون سوق قطيع الناس إلى حيث يريدون، وعلى رأسه هدم مؤسسات الدولة المدنية الحديثة، وإحلال شكل للدولة الدينية مكانها يجعل منهم المرجعية الأولى لكل الأمور، ويضفى على آرائهم صبغة من القدسية تمنع مناقشتها أو الخلاف حولها، يعنى استبعاد الجمهور باسم ما يوهمون الناس بأنه (الدين)، وأنا ـ فى كل ما ذكرت ـ لا أناقش مدى صحة أفكار عذاب القبر، ولكن أبحث فى هذا التركيز المقصود الذى يوليه منتجو وصائغو الرسالة الدينية عليه، واستهداف المواطن المسلم منذ طفولته، وهو يشبه الخوف الذى يشيعه بعض الساسة لضمان التفاف الناس حولهم، فالترهيب من خطر عظيم قادم يضمن لقادة التطرف بشرا محتشدا خلف دعاويهم خائفا مما سيحل به إذا اعترض على بعض خطابهم الذى يجتهدون لتأكيد أنه (خطاب الله)، وإذا أكملت التفكير والخيال سيتجلى أمامى حجم فجوة هائلة ما بين طفل أجنبى يلعب بالأتارى أو يخترع روبوتا صغيرا، وبين طفل مسلم يقرأ مثل هذا الكتاب ويمتلئ بأفكار الثعبان الأقرع.