محمود سلطان
التفسير الطبقي لموقف الإسلاميين من البرادعي
من خلال متابعتي للإسلام الحركي، لاحظت أن الإسلاميين لا يهتمون بالتفسير الطبقي لأية ظاهرة اجتماعية أو دينية أو سياسية، ما يفضى بالتبعية إلى نتائج تدفع كل يوم بضحايا جدد إلى "المحرقة" والتلذذ بالموت من أجل التنظيمات أو الأشخاص/القيادات/الزعماء/المرشد/الخليفة المنتظر.. بدون وعي واستنارة.
بعد ثورة يناير ـ وعلى سبيل المثال ـ ومع طرح اسم د.محمد البرادعي، ليتولى منصبًا سياسيًا بالدولة، اختلف رأي الجماعة الإسلامية في البرادعي عن رأي حركة "الجهاد".. ففي حين جاء رد فعل الأولى حادًا وفظًا وقاطعًا منه ورافضًا له، جاء موقف الثانية منفتحًا على أجندته السياسية مع تسجيل تحفظاتها على بعضها!
الموقف من البرادعي ـ الرفض والقبول ـ كان يمكن فهمه بتتبع الأصول الطبقية للحركتين: فمن الثابت أن الجماعة الإسلامية، تأسست في صعيد مصر "الشعبوي والفقير" واستطاعت ـ استنادًا إلى معايير المفاضلة "الانتماء لفكرة/الجماعة/التنظيم" والإخلاص لها، وارتكازها فقط على هذا المعيار وحده، بغض النظر عن المنزلة المهنية والمكانة الاجتماعية ـ من الاقتراب قليلاً ـ بدون قصد منها ـ إلى إحدى مبادئ "الحداثة" بالقفز على العصبية وإرساء مبدأ الانتماء إلى "الفكرة".. كما أن ميلها ـ بالتزامن مع ذلك ـ إلى العمل الدعوي والخيري في مرحلة التأسيس، أحالها إلى جماعة تنزع بطبيعتها إلى "الشعبوية"، وهي النزعة التي تناقض "النخبوية" التي تتسم بها جماعة الجهاد كما سيأتي بيانه لاحقًا.. وهما النزعتان اللتان حددتا ـ بجانب أمور شرعية أخرى ـ موقفهما من البرادعي.
شعبوية الجماعة الإسلامية جعلتها ترى في البرادعي شخصية غريبة، جاءت لتختطف من الجماعة الوطنية ثمرة نضالها الطويل، وأنه "غريب" ونبتة سياسية جاءت من بيئة نخبوية استعلائية لا يعرفها الشعب المصري.
شعبوية الجماعة ـ هنا ـ تجعلها تتقبل المسوّغات السهلة والمباشرة والمتداولة بين عوام الناس، وتستند إليها في تكوين موقف من هذا أو ذاك، ولذا نلحظ ارتكاز أسامة حافظ إلى إسناد رئاسة هيئة الطاقة الذرية للبرادعي، وحصوله على جائزة نوبل ليفسر ذلك باعتباره دليلاً على الرضا الأمريكي والإسرائيلي عليه، ويكفي وحده للتحذير من البرادعي ومشروعه الإصلاحي إذا جاز التعبير.
هذا الموقف يختلف حال اقتفينا أثر جماعة الجهاد.. وفي هذا الإطار فإن الأخيرة تأسست في المناطق الحضرية/الثرية، حيث تشكلت في العاصمة "القاهرة" عام 1964، ونلاحظ أن أبرز مؤسسيها كانوا ينتمون إلى أحياء القاهرة الراقية وهم: علوي مصطفى (من حي مصر الجديدة)، وإسماعيل طنطاوي (من حي المنيل) ونبيل البرعي (من حي المعادي).
ولقد ظهرت الجماعة في فترة تاريخية، كان للنخبة العسكرية الدور الأكبر في أية تغييرات سياسية فاصلة وحاسمة، وقد استقر في أدبيات الجماعة الإعلاء من قيمة النخبة "القائد ـ الرمز" من جهة، والتغيير من خلال الاحتكام إلى القوة المسلحة أو الاشتباك العنيف مع مؤسسات الدولة من جهة أخرى.
لقد أثر هذا التكوين الطبقي على موقف جماعة الجهاد، من البرادعي؛ إذ لم تجد أية غضاضة في "نخبويّته" أو التفاف النخب السياسية المصرية المعارضة حوله، فيما أخذت عليه ـ وفق فكرة الاشتباك المتأصلة في التراث الحركي للتنظيم ـ ميله.. وميل أتباعه كذلك إلى "الاشتباك" من خلف شاشات الكمبيوتر والعزوف عن "الاشتباك" المباشر في الشارع، وذلك من خلال خطاب وظف "التكوينة" النخبوية للجهاد وأدواتها في تحليل الموقف إجمالاً والخروج منه برؤى أكثر فهمًا من نظيراتها التي خلصت إليها الجماعة الإسلامية.
ونكمل لاحقا إن شاء الله تعالى..