محمود سلطان
القرضاوي و"الخلافة".. ماذا قال؟!
في مُقدمة كتابه "من فقه الدولة في الإسلام"، يستهل الدكتور يوسف القرضاوي كلامه، بذم من يريدون أن يحكموننا بفقه الماوردي والجويني وغيرهما فيقول نصًا: "ولقد شكا الإمام ابن القيم في عصره «القرن الثامن الهجري» من جمود فقهاء زمنه، حتى أنهم اضطروا أمراء عصرهم إلى أن يستحدثوا «قوانين سياسية» بمعزل عن الشرع، وحمّل ابن القيم الفقهاء الجامدين تبعة انحراف الأمراء والحكام، وشرودهم عن منهج الشريعة السمحة. وربما يعتبر هذا أول تسلل للقوانين الوضعية لتحل محل أحكام الشريعة الإسلامية" بحسب رأي القرضاوى.
ويتابع: "ما زال لهؤلاء الجامدين من أهل الفقه أخلاف في عصرنا، يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري، ولكنهم يفكرون بعقول علماء ماتوا من قرون، وقد تغير كل شيء تقريبًا في الحياة عما كان عليه الحال في عهود أولئك العلماء. ونسى هؤلاء أن الإمام الشافعي غير مذهبه في مدة وجيزة، فكان له مذهب جديد، ومذهب قديم. وأن أصحاب أبي حنيفة خالفوه في أكثر من ثُلث المذهب، لاختلاف عصرهم من عصره، وقالوا: لو رأى صاحبنا ما رأينا، لقال بمثل ما قلنا أو أكثر.. والإمام أحمد تُروى عنه في المسألة الواحدة روايات قد تبلغ سبعًا، أو أكثر وما ذلك إلا لاختلاف الأحوال والملابسات، وتغير الظروف والأوضاع في غالب الأحيان".
ويضيف: "رأينا ممن ينتسبون إلى الفقه في عصرنا، ومن يُحسبون ضمن فصائل الصحوة الإسلامية، من يقول: إن الشورى معلمة لا مُلزمة، وإن من حق ولي الأمر أن يستشير ليستنير، ثم يضرب برأي أهل الشورى عُرض الحائط إن شاء وينفذ رأيه هو! وإنه الذي يعين مجلس الشورى، ثم يقره إن شاء، ويحلّه متى شاء!
ويمضي في نقده قائلاً: "رأينا من يرفض فكرة التعددية في ظل الدولة الإسلامية، ومن يرفض فكرة الانتخابات لاختيار رئيس الدولة، أو اختيار ممثلي الشعب في مجلس الشورى أو المجلس النيابي. ومن يرفض الأخذ بالأغلبية في التصويت، ومن يرفض تحديد مدة رئيس الدولة بسنوات معدودة، ومن يرى أن كل ما جاءت به الديمقراطية منكر تجب محاربته.
رأينا من يرفض أن يكون للمرأة صوت في الانتخابات، بل أن يكون لها حق الترشح في المجالس النيابية، وبذلك يعطل نصف الأمة، وكذلك من لا يعطي لغير المسلمين هذا الحق، في التصويت أو الترشح، أو يكون لهم نصيب من المشاركة في الحكم، بل هناك من يقول: لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه للمجلس ولا لغيره، لأنه بهذا يطلب الولاية لنفسه، وطالب الولاية لا يُولى! وهؤلاء قلة بالنسبة لجمهور الصحوة الإسلامية، وإن كان صوتهم عاليًا، وهناك قوى معروفة-معادية للصحوة الإسلامية، والبعث الإسلامي- تنفخ في هؤلاء، وتحاول أن تضخمهم وتبرزهم، لغرض في أنفسهم".. انتهى
ما قاله القرضاوي، ربما يُفسر بوصفه، تنازلاً عما أجمع عليه الإسلاميون، من حتمية إحياء "دولة الخلافة"، فالقرضاوي كما يبدو من مقدمة كتابه، يقبل بكل أدوات الحداثة السياسية، التي تحتكم إليها الدولة الوطنية في صيغتها التي استقرت عليها بعد الحرب العالمية الأولي.. يبدو القرضاوي ـ إذن ـ من "النص" منحازًا لـ"دولة المواطنة" التي على قطيعة جذرية مع "الخلافة/دولة الطائفة".. فهل تخلى القرضاوي حقًا عن الخلافة لصالح الدولة الوطنية؟!؟
هذا ما سنتناوله في المقال اللاحق إن شاء الله تعالى.