فاروق جويدة
هوامش حرة - من يحب نفسه أكثر
ثلاثة أشياء تصيب الحب فى مقتل سواء كانت جميعها أو شيئا واحدا منها.. الملل.. والإهمال.. والأنانية.. إن الشيء الغريب أنها تحمل مواصفات مشتركة وهى أيضا تصل إلى نفس النتائج.. إن الإهمال يصل بنا إلى الملل.. والملل يصل بنا إلى الأنانية وحين تجتمع هذه الأسباب فإن الحب يتهاوى ولا يجد من يبكى عليه.. إن الملل يزورنا حين نفقد القدرة على تجديد الأشياء، وهذا يتطلب بعض الجهد، قد نغير مكانا وقد نستبدل حواراً، وقد نتخلص من عادات ثقيلة تفقدنا القدرة على أن نجدد وجه الحياة.. إن الملل لا يأتينا مرة واحدة، انه يتسلل فى هدوء ونراه فى كل الأشياء حولنا.. حديث فاتر.. ولهفة كاذبة.. ومشاعر مجمدة وهنا تكون رحلة الانسحاب الهادئ إن كل طرف يأخذ مكانا بعيدا حتى لو كان المكان واحدا.. إن الملل يحملنا إلى منطقة أخرى هى عدم اللامبالاة.. إننا نفقد الاهتمام بأشياء اعتدنا عليها وكانت تقرب مشاعرنا.. إن اللامبالاة تكون الخطوة الأولى نحو الإهمال وحين تهبط علينا عواصف الإهمال يتراجع كل شيء ويأخذ الحب مكانا بعيدا حفظا للكرامة والكبرياء.. إن الإهمال هو الأب الشرعى للهروب، والهروب هنا لا يعنى هروب الجسد، إنه انسحاب مشروع يمكن أن نسميه الغياب..أن يكون أمامك وليس أمامك انه موجود ولكنه غائب.. وحين يتحول الإهمال إلى غياب فإن الجسور تتقطع ويتحول كل شيء إلى مجرد أطياف تبدو أمامك فى ملامح إنسان كنت تحبه ولكنه غاب، وما بين الملل والإهمال يظهر الغياب ويختفى الحرص وتتراجع المودة ويتحول الإنسان إلى كائن غريب يحمل ملامح البشر لكنه يتحول إلى شيء يشبه الشرنقة، إنه يصغر ويصغر بحيث يفقد القدرة على أن يرى الأشياء حوله.. لقد أصبح كائنا لا يرى غير نفسه لقد انفصل تماما عن شخص آخر كان يشاركه كل شيء.. وهنا تسيطر الأنانية على كل شيء فيه، انه لا يفكر إلا فى ذاته ولا يحزن إلا على نفسه ولا يشتاق إلا لأشياء أحبها..انه لا يرى الآخر وحين تسيطر عليه هذه المشاعر يبدو الملل رفيقا دائما ويصبح الإهمال شيئا عاديا، ويجلس هؤلاء الذين كانوا أحبابا يمارسون هواية جديدة من يحب نفسه أكثر..رغم أن الخسارة على الجميع.