محمد أبو الحديد
اخر الأسبوع - سياحة * سياسة
بعد أسبوع حافل بإجازات الأعياد.. لماذا لا نمضي دقائق في سياحة سياسية بين أحداث منطقة من أهم مناطق العالم وأكثرها حيوية. وهي منطقة شرق آسيا.
شدَّتني أحداث هذه المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية. مع انعقاد منتدي الصين لمبادرة "طريق الحرير" والذي شهد لقاء أربعين رئيس دولة وحكومة من مختلف قارات العالم. علي رأسهم الرئيس السيسي. فضلاً عن أكبر تجمع عُقِدَ علي هامش المنتدي لقادة كبريات الشركات العالمية في المنطقة وخارجها.
ففي تزامن مع انعقاد المنتدي. الذي بدا من خلاله أن الصين تتهيأ لتصبح مركز الثقل الاقتصادي العالمي. وتشعر أمريكا جيداً بهذا الخطر. كانت أكبر ثلاث دول بعد الصين في المنطقة تشهد أحداثاً مثيرة تعكس مدي الحيوية السياسية التي تتمتع بها.
الدول الثلاث هي: الهند ــ إندونيسيا ــ اليابان.
* "الهند تنتخب".. عنوان قديم تجدد هذه الأيام. حيث تشهد الهند أكبر انتخابات برلمانية. يخوضها حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بزعامة رئيس الوزراء "نارندرا مودي" وعينه علي تكرار الفوز الساحق الذي حققه في انتخابات مايو 2014 رغم سلبيات تجربته في الحكم من وجهة نظر المعارضة.
وأقول عن "الهند تنتخب" إنه عنوان قديم.. فقد قرأته لأول مرة يتصدر الصفحة الثالثة من "الجمهورية" في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي.. شدَّني تركيز العنوان في كلمتين وأنا أخطو أولي خطواتي الصحفية في الجريدة. وأسعي لأن أتعلم فنون المهنة.
تحت العنوان. كانت هناك رسالة صحفية من الهند بقلم واحد من أكبر عُشاق الهند في الصحافة المصرية في ذلك الوقت. وهو الكاتب السياسي الكبير الراحل محمد عودة. الذي اختار أن يطير إلي الهند ليتابع علي الطبيعة انتخاباتها البرلمانية التي كانت تجري في ذلك الوقت. ويبعث بهذه الرسالة التي شغلت الصفحة الثالثة بالكامل.
انتخابات الهند.. في أي وقت تجري فيه. هي محط أنظار واهتمام العالم كله.. الهند أكبر تجمع بشري بعد الصين علي ظهر الكرة الأرضية.. وتوصف من هذا المنطلق بأنها أكبر ديمقراطية في العالم.
تعداد الهند اليوم مليار و300 مليون نسمة موزعين بين 29 ولاية.. وإذا افترضنا أن نصف هذا العدد فقط مسجلون في كشوف الناخبين. فنحن أمام 650 مليون ناخب. أي ما يعادل 6 مرات إجمالي عدد سكان مصر.
لذلك. فهم يجرون الانتخابات البرلمانية علي 7 مراحل تمتد خمسة أسابيع. حتي يتاح لهذا العدد الهائل من الناخبين الإدلاء بأصواتهم.. وقد انطلقت الانتخابات في 23 أبريل الماضي. ولن تنتهي إلا في 19 مايو الحالي. ليبدأ حصر الأصوات في 25 مايو تمهيداً لإعلان النتيجة.
وربما لا يعرف الكثيرون. خاصة من الأجيال الجديدة. إلا مَن دَرَس الجغرافيا السياسية. أنه حتي عام 1947 كانت دولتا باكستان وبنجلاديش الحاليتان جزءاً لا يتجزأ من الهند.. باكستان تعدادها الآن 148 مليون نسمة.. وبنجلاديش 156 مليوناً.. أي أن تعداد الهند الحالي وهو مليار و300 مليون نسمة هو ما تبقي لها بعد انفصال الدولتين عنها!!
الهند لها خصوصية عند المصريين.. الهند عندنا هي غاندي. ونهرو. وأنديرا.. هي رفقة سنوات الكفاح المشترك من أجل الاستقلال عن بريطانيا. ثم من أجل تحرير شعوب آسيا وأفريقيا.. هي مؤتمر باندونج. وهي حركة عدم الانحياز.. إلي آخره.
ولذلك فللهند عُشاق كثيرون في مصر.. والسفارة المصرية في نيودلهي والعمل بها محطة أساسية في السجل الوظيفي لكل نوابغ الدبلوماسية المصرية ومشاهيرها. من عمرو موسي إلي مصطفي الفقي.. وكل من لم يعمل هناك يشعر أن شيئاً ما ينقصه في الإحاطة بتاريخ وجغرافيا وحضارة البشرية.
* إندونيسيا تنتخب.. كان هذا هو العنوان الثاني خلال الأيام القليلة الماضية. حيث انطلقت في وقت واحد الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية في السابع عشر من أبريل الماضي.
وأندونيسيا ــ 262 مليون نسمة ــ هي أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث التعداد. وتضم 31 مقاطعة. ويرأسها الآن الرئيس جوكو ويدودو الذي يخوض الانتخابات الحالية طلباً لفترة رئاسية ثانية بعد انتهاء فترته الأولي التي بدأت في 2014.
انتخابات إندونيسيا تمت بنسق مختلف عن نظيرتها في الهند.. ففي الوقت الذي تمتد الانتخابات الهندية خمسة أسابيع. رغم أنها برلمانية فقط. أصرت إندونيسيا علي إجراء انتخاباتها الرئاسية والبرلمانية معاً. والتي يشارك فيها 193 مليون ناخب. موزعين علي 800 ألف مركز اقتراع.. في يوم واحد. رغبة في خفض التكاليف.
ليس فقط في يوم واحد.. بل في 8 ساعات. هي وحدها المحددة لعمل لجان الاقتراع خلال ذلك اليوم. ولذلك وصفت بأنها أكبر انتخابات في العالم تجري في يوم واحد.
ولذلك كان محزناً. وطبيعياً في نفس الوقت أن تسفر الانتخابات عن كارثة.
فقد أعلن المتحدث باسم المفوضية العامة للانتخابات أن 272 من مسئولي الانتخابات ماتوا من الإرهاب. كما تم توزيع 1878 مصاباً بالإرهاق من زملائهم علي المستشفيات لعلاجهم.
ومع ذلك لم تظهر نتيجة الانتخابات حتي الآن.. فالعمل في فرز الأصوات مازال مستمراً من يوم 17 أبريل.. ولن ينتهي العمل وتعلن النتائج إلا يوم 22 مايو الحالي.
* اليابان. كانت ثالث دولة تشهد حدثاً مثيراً هذه الأيام. لا يتكرر إلا كل عدة عقود.. ولذلك فإن كل اليابانيين تحت سن الثلاثين يشهدونه لأول مرة في حياتهم.
الحدث هو تنازل إمبراطور اليابان "أكيهيتو"ــ 86 سنةــ عن العرش الذي تم تنصيبه فيه عام 1989 أي منذ ثلاثين سنة. وذلك لولي عهده الأمير "ناروهيتو".
والطريف أن الإمبراطور الذي جلس علي العرش ثلاثين سنة. تنازل عنه بمراسم لم تستغرق سوي 10 دقائق.
والإمبراطور في اليابان ــ علي مر تاريخهاــ كان مقدساً. وتحول علي يد "أكيهيتو" إلي رمز للدولة. بعد أن حاول جاهداً التقريب بين العرش والشعب. ونجح في ذلك.
واليابان لغز محير.. فالبلد الذي نهض من أنقاض الحرب العالمية الثانية. ونفض عن نفسه الغبار الذري لقنبلتي هيروشيما ونجازاكي. الذريتين الأمريكيتين. وأعاد بناء اليابان الحديثة بالعقل والعلم. وتفوق في التكنولوجيا علي المنتصرين في الحرب.. هذا البلد نفسه لم يتخل عن الأساطير القديمة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخه وتراثه.. فأحدث التكنولوجيا تعيش في وجدان كل ياباني جنباً إلي جنب مع ا لاعتقاد بأن الأسرة الإمبراطورية امتداد لآلهة الشمس. كما تقول الأساطير اليابانية.
تلك دقائق من السياحة في السياسة.. ولعلك تري أن الفرق بين كلمتي سياحة وسياسة مجرد حرف. ولذلك يتداخل مضمون الكلمتين دون تعارض.
نسيت أن أذكر. أنه وسط هذه الأحداث المهمة في الدول الأربع: الصين ــ الهند ــ إندونيسيا ــ اليابان.. استقل الرئيس الكوري الشمالي كيم يونج قطاره المصفح تاركاً المنطقة كلها. قاصداً أقصي شرق روسيا. للقاء الرئيس الروسي بوتين.. ثعلب السياسة الدولية. في رسالة بالغة الأهمية من الاثنين لأمريكا ورئيسها ترامب. ليضيفا تطوراً مهماً إلي قائمة أحداث الشرق الآسيوي.