تراءى لى الأمر للوهلة الأولى، أن هذا الجدل المشتعل قد دار فى أوائل التسعينات، عندما اختلطت الأوراق، وطرح السؤال: أين الخطوط الفاصلة فيما يتعلق بفكرة الحق فى «إبداء الرأى»؟.. فكأنما لم نغادر لحظتى «فرج فودة» و«نصر حامد أبوزيد»، مع فارق السياقات، والعمق... فتاة تستشعر رغبة أو حاجة للاقتراب من الله، تسأل عن أسماء «لشيوخ» ورجال دين، بإمكانهم الأخذ بيدها بيسر.. فيما بين الخيارات، التى طرحت، اسم الشيخ الشعراوى، تصف الفتاة آراءه «بالتطرف».. الفتاة لم تستخدم لا كلمة نابية، ولا وصفاً شخصياً، ولم تقترب من أى دوائر لقضايا تمس الدين من قريب أو بعيد.. دقائق بعد أن كتبت الوصف لآراء الشيخ «بالتطرف»، فإذا بنيران ولعنات السب والقذف والترهيب وربما ما أعنف وأقسى، تطالها وأسرتها، نار، وترهيب وإفزاع وتخويف، وتدن فى السب إلى درك لا بد معه من التساؤل: كيف لهؤلاء الداعين إلى ما يشبه «القداسة»، أن يستخدموا هذا القاموس الذى يعف الإنسان عن ذكره؟ جهنم تفترس الفتاة التى شلها الخوف والمفاجأة، فتكورت فى فراشها، مذعورة تبكى.. وما إن ألقى بعض الإعلاميين لها بفرصة، ظنوها طوق نجاة، حتى أعربت عن عميق أسفها، وندمها واستيعابها للدرس، حتى إنها وهى تحكى للزميل عمرو أديب، عما كتبته، قالت إنها لا تود أن تكرر الكلمة التى وضعتها فى جهنم اللعنة، كلمة التطرف!
بدا لى الأمر محزناً، ومخيفاً، نعم مخيفاً لى، بأعوامى التى تجاوزت الستين واقتربت من العقد السابع، ولكنه «ليس جديداً».. نعم ليس جديداً نحن ما زلنا نقف عند نفس اللحظة.. لحظة فرج فودة ومن بعده نصر حامد أبوزيد..
ما بين تأمل محاولات بعض الإعلاميين التى بدت أقرب إلى محاولة إنقاذ للفتاة لردود، وتأمل قدر من الدلالات، قد لا تبدو «مكتشفة»، والشعور بكابوس الترهيب والإفزاع هيمن السؤال ما هذا المجتمع الذى هو غير قادر على التمييز فعلياً بين القداسة والعصمة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم وبين اجتهادات البشر أو الرموز؟
حتى مداخلات بعض الشيوخ التى منحت بأريحية «صك غفران» أو مسامحة الفتاة، انطلقت من أرضية، لا تختلف كثيراً، واعتبرت أن المطلوب إشاعة ثقافة الاعتذار وأن الفتاة اعتذرت، وهذا اعتراف بخطئها! وكان المبرر أن الشيخ الشعراوى يتعرض لهجوم ممنهج وضعوه فى سياق هدم الرموز، وحين يواجهون ببعض آراء للشيخ الكبير معروفة، كان الرد أنها جاءت مجتزأة، حتى وإن رأى المختلفون معها غير ذلك... كنوع من التأمين انطلق بعض الإعلاميين الذين حاولوا إنقاذ الفتاة من أرضية عدم الموافقة، كنوع من التأمين، أخذوا ساتر الإقرار بخطأ البنت، وكأن هذا أقصى ما يمكن لتفلت الضحية من «الافتراس المجتمعى»، الكاشف لنوع من الرفض لأى رأى مهما كان مهذباً ولا يتماس مع ثوابت دينية حقيقية.. حكاية الحملة الافتراسية للفتاة أسما شريف منير تتجاوز حكاية أسما.. إنها حكاية مجتمع، لم يتعلم أى دروس. والله المنجى.