الوطن
حازم منير
«هتلر الصغير» فى الشرق الأوسط الجديد
سطور صفحات كتب التاريخ تخطرنا بالعظماء، كما تخطرنا بالسفهاء، وتحتفظ بأسماء رموز وأسماء سفلة، وبها صنّاع الحضارات والنماء، ومدمرون وسافكو دماء. والتاريخ لا يرحم، ومهما ارتفع شأنك، يعيدك التاريخ إلى المكان الذى تستحقه.

والتاريخ لا يروى فقط قصص الإنجازات العظيمة، وصناعة الحضارات، إنما هو أيضاً يروى لنا قصص الفشل، ويضرب لنا الأمثلة، ويقدم لنا العظات لمن يتعظ، وتبرز من بين قصصه أسماء عديدة هى مضرب الأمثال بين البشر.

ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم الرئيس التركى الذى لا يأتى ذكره فى وسائل الإعلام المختلفة، سواء الدولية أو الإقليمية، إلا مقترناً بالمشاكل والأزمات والحوادث والمصائب، وهى ليست انطباعات شخصية للإساءة للرجل أو ادعاء عليه بما ليس فيه، وإنما هى حقيقة واقعة نشاهدها بأعيننا ونسمعها بآذاننا يومياً.

هو بلا شك رجل الأزمات والمشاكل التى جرّ معه بلاده فيها، فتسبب فى سقوط وانهيار العديد من الأوضاع الاقتصادية، سواء لرجال أعمال أتراك أو لمواطنين، وهو لا يتعامل مع أحد إلا وينتهى الأمر بأزمة وصدام.

فى سوريا محتل أرضها ومتحالف مع تنظيمات وجماعات إرهابية، تحت مزاعم كاذبة عن محاربة الإرهاب، وهو مُشتبك فى العراق، ووضع جنوده داخل الحدود العراقية فى احتلال ثانٍ لأرض عربية، وهو متورط فى ليبيا داعم للإرهاب علانية ومن دون إخفاء لما يقدمه للإرهابيين من أسلحة وخبراء وخلافه، ويعقد اتفاقات مع رعاة الإرهاب فى ليبيا، ليضمن الاستيلاء على النفط الليبى، ويرسل إرهابيى داعش إلى الحدود المصرية الغربية، تحت حماية قواته التى لا يخجل من إعلان حقه فى إرسالها إلى الأرض العربية الليبية، وهو يلتف على حقوق الشعبين اليونانى والقبرصى فى استثمار ثرواتهما من الغاز، ساعياً إلى الاستيلاء على هذه الثروات لصالحه، وهو فى أزمة لا فكاك منها مع الاتحاد الأوروبى، ويحذره الأوروبيون من مغبة الاعتداء على الأراضى القبرصية اليونانية والاستمرار فى إرسال قواته لها، ويفرضون عليه عقوبات، ويذهبون بحلمه الانضمام للاتحاد الأوروبى أدراج الريح. وبعد أن بلغ العُلا فى علاقات مميزة مع السعودية والإمارات انقلب عليهما وحرض ضدهما، وكاد أن يورط المملكة فى أزمة ما كانت لتفيق منها، حتى انهارت العلاقات بين بلاده وبين المملكة والإمارات، وهو متورط مع قطر فى تونس لتأليب الشعب التونسى ضد نفسه، ولا يخجل أبداً من الحديث علانية عن كل هذه المغامرات.

الحاكم التركى اتسعت أحلامه إلى تخيل إعادة التاريخ للوراء، واستعادة الخلافة العثمانلية مجدداً، ويسعى بقيادته لجماعة الإرهاب الإخوانية إلى تمرير أكاذيب لإيهام الناس بعودة خليفة المسلمين مرة أخرى، وتقوم الجماعة الإرهابية ورموزها بتزييف التاريخ، وتزوير حقائقه للإيهام بأن دولة القتل والظلم وسفك الدماء ونهب ثروات العرب هى دولة العدل والحق، ويتوهم هؤلاء الإخوان الكذابون العودة مرة أخرى لحكم البلاد مقابل وضع مصر تحت تاج الخليفة التركى العثمانلى مرة أخرى.

أشهر ما فى أردوغان أنه الأشهر فى «طق الحنك» على رأى إخواننا الشوام، فهو صاحب الصوت العالى، والمُهدد لغيره دائماً، والمُحذر من أنه لن يتراجع أبداً، وسرعان ما يتراجع للخلف، وعلى رأى فنان الكوميديا البارز الراحل عبدالفتاح القصرى «أنا كلمتى ما تنزلش الأرض أبداً.. لكن خلاص تنزل المرة دى»، بعد أن يتلقى نظرة التوعد والتهديد.

أردوغان يشبه أطفال الحارة، يجلسون على الأرصفة، ويحدفون المارة بالطوب، وهم يصخبون ويهللون، وحين تقع المشاجرة يجرون يختبئون، وسرعان ما يعودون وسط «الخناقة» يشدون هذا من «ديل الجلابية» ويلقون بالطوب على هذا، ويشتمون ذاك ويصفقون لهذا، وأردوغان مثل هؤلاء الأطفال المتشردين المُزعجين، هو فقط يشتبك ويهاجم ويهدد ويتوعد، و«يلف ويرجع تانى» بعد تلقيه التهديد الجاد من الكبار.

هى صورة متكررة، شاهدناها فى الكثير من جوانب مسيرة أردوغان فى قيادة تركيا إلى الهلاك، سواء وهو يتعامل مع أمريكا فى عهد ترامب، أو وهو يتعامل مع حلف الأطلنطى، أو حتى وهو يرغى ويزبد فى مغامرة احتلال الأراضى السورية.

بالأمس فقط تقدم حليفه السابق أحمد داوود أوغلو وصانع مسيرته من الفشل إلى النجاح، بطلب لتأسيس حزب سياسى جديد، وهو الثانى من نوعه الذى يؤسسه أنصار سابقون هم، وبكل حق، أصحاب الفضل على الأردوغان الذى باعهم فور انتهاء استفادته منهم، فانقلبوا عليه، وكلهم وبقية المعارضة يشكلون الخطر الحقيقى على مسيرة الرجل التى باتت فى مهب الريح، بعد أن باع أنصاره، واعتقل حلفاءه.

هذه هى صورة أردوغان الحقيقية، وما هو عليه من دون رتوش، هو فقد كل أدواته، وانكشفت كل أكاذيبه، ولم يعد يملك شيئاً سوى البحث عن مشاكل خارجية للتستر على أزماته الداخلية، والاستعانة بالتنظيمات الإرهابية فى محاولة لإثارة أزمات وترسيخ أنصاره فى هذه الدول، ربما يساعدونه فى حلم الخلافة وإعادة الاحتلال التركى «العثمانى» للمنطقة.

أردوغان شخصية «كاذبة» منذ ادعائه تخليه عن أستاذه أربكان فى مقايضة سياسية مقابل خروجه من السجن، وهو عدوانى الطباع، مُتعالٍ، تخيل أنه قادر على التآمر والضحك على الناس، والحقيقة أنه لا ينظر أبعد من قدميه.

أردوغان كما هتلر وموسولينى، يقود بلاده إلى الصعود ثم إلى الانهيار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف