الوفد
علاء عريبى
رؤى .. مايكل مات
لقد وقع الخبر على كالصاعقة، أجهشت فى البكاء بحرقة، كان شابًا صغيرًا، نحيلًا متوسط الطول، كله طيبة وتسامح، عرفته فى حلم، قبل فترة دخلت معهد الأورام القومى لإجراء جراحة استئصال ورم خبيث بالرئة، مكثت أكثر من عشرة أيام بالمستشفى، مايكل كان أحد الممرضين الذين كانوا يمرضوننى، يحقنونى المسكن والمضاد الحيوى فى المحلول المعلق بوريد فى رقبتى، كان يدخل بهدوء إلى الغرفة، يزيح الستارة، يلقى التحية فى هدوء، يمسك زراعى اليسرى، يضع جهاز مقياس ضغط الدم، ثم يخرج جهاز السكرى ويتابع أخبار السكر، بعدها يحقننى بالأدوية، ويجرى لى عملية استنشاق مادة لتوسعة الشعب، كان ينادينى: جدو.

جاءنى أحدهم فى الحلم، كنت فى الإسكندرية مستلقى على السرير، لا أتذكر اسمه أو شكله، سمعته من بعيد يبلغنى بالخبر المشئوم: مايكل مات، انتفضت فى مكانى وأجهشت فى البكاء:

ــ يا حبيبى يا ابنى .. ده لسه عيل صغير.. البقاء لله.

ــ مات فى حادث سيارة، كان فى طريقه إلى العمل، دهسه شاب أرعن ولاز بالفرار، لفظ أنفاسه فى موقع الحادث بالقرب من منزله، بعض المارة من جيران الحى تعرفوا عليه، طلبوا الإسعاف، أحدهم جس نبضه، استمع إلى دقات قلبه، وضع يده على أنفه، وقال بشكل قاطع: مات.

حكى لى من فاجأنى بالخبر فى الحلم: أن الدماء كانت تنزف من أنفه وفمه ورأسه، كان وجهه مبتسمًا، عيناه تنظران للمجهول، تراه كأنه مازال حيًا يحييك بابتسامة خفيفة، حملوه من منتصف الشارع إلى أعلى الرصيف، وقام أحدهم بتغطيته بورق صحيفة.

استدعيت صورته وملامحه ونبرات صوته وبنية جسده ولون ملابسه من حلم سابق دخلته من قبل فى شقتى بالقاهرة، زوجتى سمعتنى أبكيه فى الحلم، سألتنى وأخبرتها، بكته هى أيضًا فى الحلم بحرقة:

ــ يا حبيبى، ده كان طيب قوى، ده صغير، ربنا يصبر والدتك يا حبيبى.

أظننى دردشت معه فى الحلم، عرفت أنه حديث التخرج من معهد التمريض، يسكن مع أسرته فى شبرا، ربما حدد فى سياق الكلام الحى:

روض الفرج أو دوران شبرا، بشرته خمرية، متوسط الطول، يرتدى زى التمريض الأخضر، فى صوته بحة خفيفة، دائم الابتسامة، يتابع مع بعض المرضى فى منازلهم تحسينًا لدخله، شكا من ضيق ذات اليد، وعدم قدرته على شراء شقة، نصحته بالتقدم لشقق الحكومة، وكانت ملاحظته: بعدها عن القاهرة وعن مقر عمله، مايكل شكا مثل سائر زملائه من ضعف الراتب: تخيل نحن عرضة للإصابة بأى عدوى فيروسية من المرضى، ومع هذا يرفضون رفع المرتبات والبدلات، أتذكر فى أحد الأيام دخل بعد أذان المغرب ليأخذ مقياس الضغط والسكرى بدلًا من الممرضة المسئولة عن النوبتجية، برر تخلفها بتناولهن وجبة الإفطار، فقد كن صائمات.

خرجت من الحلم على صوتى، اجهش فى البكاء، وأردد: يا حبيبى يا ابنى، التفت حولى، أمدد فى السرير بمدينة الإسكندرية، مازالت الدموع على وجهى، وبقايا الحلم مازالت فى ذاكرتى، سألت نفسى: هل مات مايكل بالفعل فى حادث سيارة؟.. من هو مايكل؟، هل كان يعمل بمعهد الأورام؟، هل كان ضمن فريق التمريض الذى يحضرنى فى الحلم فقط؟، أمسكت المحمول، فتشت عن اسم لأحد الممرضين أو الممرضات بالمعهد، استفسر عن مايكل، جميع الأرقام لأطباء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف