الدستور
ماجد حبته
ليبيا ليست قطر.. ولن تكون
تعليقًا على اتفاق فايز السراج، رئيس ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى الليبى»، مع الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، الذى يمهد لوجود قوات تركية على الأراضى الليبية، قال اللواء أحمد المسمارى، الإثنين، إن الشعب الليبى «لن يقبل بوجود جندى أجنبى واحد» على أراضى ليبيا، مؤكدًا أن بلاده «ليست قطر المحتلة بقواعد تركية».
المسمارى هو المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، الذى يشن، منذ شهور، حملة عسكرية واسعة، للقضاء على الميليشيات الإرهابية المدعومة من تركيا وقطر. وخلال الأيام الماضية حققت قواته تقدمًا كبيرًا. وطمأننا «المسمارى» بأن جيش ليبيا الوطنى لديه «من الوسائل والإمكانيات والإرادة الوطنية ما يستطيع به قهر الأتراك وحكومة الذل والعار التابعة للسراج». ثم أغلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الباب أمام أى استنتاجات أو رهانات بتأكيده «إننا لن نسمح لأى قوى خارجية بالسيطرة على ليبيا أو المساس باستقرارها».
على هامش منتدى شباب العالم، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى كلامًا واضحًا، كرر فيه موقف مصر الثابت من الأزمة الليبية، غير أن ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى الليبى» أصدر من مخبئة بيانًا عجيبًا، أبدى فيه «استغرابه الشديد» من تصريحات الرئيس، ودعا «السلطات المصرية لمراجعة موقفها من الأزمة الليبية ولعب دور إيجابى يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين ويسعى لتطويرها واستمرارها». وعليه، كان طبيعيًا أن ترد الخارجية المصرية بطرح هذين السؤالين البديهيين: من هو «المجلس الرئاسى الليبى» الذى أصدر بيانًا اليوم يتناول مصر؟ ما نعلمه هو أن ذلك المجلس يتكون من ٩ أشخاص.. أين هؤلاء الآن؟».
كلهم، أو ما تبقى منهم، هربوا إلى تركيا. وبين المساعى التى يقوم بها الليبيون لسحب الاعتراف الدولى من ذلك «المجلس»، دعا عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبى، الإثنين، البعثة الأممية لاتخاذ إجراءات سريعة لسحب اعترافها بحكومة السراج. ولا نعرف سبب تفاؤل صالح الذى جعله يتوقع استجابة الأمم المتحدة لطلبه، وهى التى لم تفعل مع طلباته، مطالباته ومخطاباته، منذ يوليو الماضى، بوضع حد للتدخل التركى فى الأراضى الليبية، والتى أكد فيها أن تدخل أنقرة فى شئون ليبيا الداخلية يعد تهديدًا للأمن القومى الليبى والعربى.
استجابت أم لم تستجب، فإن قرارات الأمم المتحدة لا تساوى جناح بعوضة، وتكون كريمًا وطيّبًا زيادة عن اللازم، لو قيمتهما بأكثر من ذلك. ولن تكون مخطئًا لو اعتقدت أن هدفها الأساسى، هو محاولة منح «قُبلة حياة» جديدة للتنظيمات الإرهابية وميليشياتها، تضاف إلى قبلات كثيرة سابقة، أبرزها عدم محاسبة الدول الداعمة للإرهاب، سواء الظاهرة منها أو تلك التى تخفى ذقنها بـ«زمارة» أو بمزاعم إمكانية التوصل إلى حل سياسى مع تنظيمات إرهابية مسلحة، تدعمها دول، لا يعنيها غير نهب ما تبقى من ثروات الشعب الليبى، وستتضرر مصالحها وستفشل رهاناتها حال وجود سلطة مركزية موحدة.
كنا قد استبشرنا خيرًا بتعيين «غسان سلامة» مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة ورئيسًا لبعثتها فى ليبيا، ليس فقط لأنه عاصر الصراع اللبنانى، بما يجعل لديه خبرة كافية فى التعامل مع الشأن الليبى، بمشكلاته وتعقيداته، ولكن أيضًا لأن تعيينه تزامن مع بدء إجراءات تأديب «قطر» أو العائلة الضالة التى تحكمها بالوكالة. غير أن أداء سلامة لم يختلف عن أداء المبعوثين الخمسة الذين سبقوه. وعليه، لم نفاجأ، حين ظهر، بعد طول اختفاء، ليشير إلى أن دعوة رئيس مجلس النواب الليبى لإعادة تشكيل المجلس الرئاسى «يمهد لاتفاق بين الليبيين».
الغريب، هو أن «سلامة» قال فى تصريحاته، التى تناقلتها القنوات الإخبارية، الإثنين، إن مؤتمر برلين «سيسعى لرعاية اتفاق يحظى بتأييد الليبيين». فى إشارة إلى ذلك المؤتمر، الذى كان من المفترض أن تستضيفه العاصمة الألمانية، فى نوفمبر الماضى، ثم فى ديسمبر الجارى، الذى يوشك على الانتهاء دون أن يتم حسم الخلاف حول المشاركين والمستبعدين (بفتح الدال وكسرها) من القوى الإقليمية والمجاورة لليبيا، وكذا حول طبيعة دور هؤلاء المشاركين وضمانات إسهامهم فى عملية تسوية يقبلها الليبيون ويدعمها ما يوصف بـ«المجتمع الدولى»!.
المبعوثون الأمميون، إجمالًا، يعملون، دائمًا أو عادة، اختيارًا أو اضطرارًا، وفق أجندات وضعتها دول اختطفت مؤسسات صنع القرار الدولى، وحوّلتها إلى شركات خاصة لا تخدم غير مصالحها، التى لن تتحقق، ولن يتم الحفاظ على ما تحقق منها، إلا بتحويل دول المنطقة إلى نسخ من قطر: دويلات صغيرة محتلة، يحكهما عملاء بلهاء، على شاكلة العائلة الضالة التى تحكم تلك الدويلة بالوكالة. وهو ما لن يحدث فى ليبيا، ليس فقط لأن جيشها الوطنى «لن يقبل بوجود جندى أجنبى واحد» على الأراضى الليبية، ولكن أيضًا لأن «القاهرة»، القوية والقادرة، لن تسمح بذلك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف