عماد الدين حسين
ما يخفى على المواطن البسيط!
من العبارات التى لفتت نظرى فى مداخلة الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الإرهاب فى جلسة «التحديات الراهنة للأمن والسلم الدوليين» يوم الأحد الماضى، خلال جلسات منتدى شباب العالم أنه «خلف كل إرهاب مطالب ومصالح وأهداف خفية لا يعلمها المواطن البسيط، والإرهاب صار صناعة شيطانية يستخدم فيها الفكر والعقيدة لتحقيق مصالح سياسية».
من سوء الحظ أن منطقتنا العربية نكبت بفيروس الإرهاب الذى يتستر بالدين الإسلامى. الفيروس مخلق فى معامل أجهزة مخابرات دولية وإقليمية، لكنه ما كان لينجح لولا مرض نقص المناعة الفادح فى الجسد العربى العليل.
من الطبيعى أن يسعى كل أعداء العرب لتفكيك المنطقة، لكن من غير الطبيعى أن نقوم نحن بمساعدتهم لتحقيق هدفهم، حينما نهمل التنمية الشاملة، وإرساء قواعد التعددية، والدولة المدنية، وسيادة القانون، والتوزيع العادل للثروات، وإشاعة الحريات والنقد والتفكير العلمى، لمواجهة الخرافة والجهل.
هذه المنظومة المتشابكة التى تعانى منها غالبية البلدان العربية هى التى تمنع المواطن البسيط، من أن يرى بوضوح تجارة وصناعة الإرهاب. هذا المواطن الذى يعانى من مصاعب متعددة فى معيشته، أو من القهر والاستبداد، لن يكون قادرا على رؤية توظيف العديد من الدول للإرهاب فى الماضى والحاضر وأغلب الظن فى المستقبل.
على سبيل المثال بعض العرب والمسلمين مخدوعون، ويعتقدون أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان هو حامى حمى الإسلام فى مواجهة أعدائه!! لكنهم لا يرون أنه الحامى الأول للعديد من التنظيمات التى أساءت بصورة فادحة إلى الإسلام. أردوغان يحتضن تنظيم القاعدة فى سوريا، وغض الطرف فى مرات كثيرة عن جرائم داعش، بل حوّل بلاده لممر آمن لتدفق الإرهابيين إلى سوريا والعراق. هو فعل ذلك ليس دفاعا عن الإسلام، بل سعيا وراء مشروع هيمنة وزعامة تتستر خلف لافتات، تارة باسم الإسلام، وأخرى باسم القومية العثمانية. أردوعان يستغل هذه التنظيمات أيضا فى دعم الميليشيات الإرهابية فى ليبيا، سعيا لنفس الهدف وكذلك لمناكفة ومضايقة مصر.
الولايات المتحدة كانت رائدة أيضا فى هذا المجال، فهى التى خلقت داعش، بسياساتها الحمقاء فى العراق، وحل الجيش الوطنى عقب غزو عام ٢٠٠٣، وكان بإمكانها أن تقضى على هذا التنظيم بمجرد ظهوره، لكن هناك العديد من الدلائل التى تؤكد أن أمريكا تركت هذا التنظيم يتعملق، كى تحقق أهدافا خاصة أولها تدمير سوريا، وإضعاف العراق، وتفتيت كل المنطقة على أسس طائفية وعرقية وجهوية.
أما الرائد الأكبر فى هذا المجال فهو دولة الاحتلال الإسرائيلى، التى استفادت ووظفت الإرهاب بمهارة فائقة لتحقيق أهدافها منذ زمن بعيد. لكن فى السنوات الأخيرة فإن الدول العربية هى التى قدمت خدمات جليلة ومجانية لتل أبيب، من دون أن تكلفها ثمن رصاصة واحدة!
كان ملفتا للنظر، أن التنظيمات المتطرفة التى تقول إنها تدافع عن الإسلام، تتلقى دعما من إسرائيل بصور مختلفة خلال محاربتها للنظام السورى. ثم اكتشفنا أن مجمل ما فعلته هذه التنظيمات، لم يصب إلا مع مصلحة إسرائيل وكل أعداء العرب والمسلمين!
من الدول التى استفادت من الإرهاب أيضا بصورة كبيرة إيران. صحيح أنها حاربت داعش فى سوريا والعراق، لكن هذا الإرهاب صب أيضا فى مصلحتها، حيث صارت هى اللاعب الأبرز فى تقرير مصير العراق، ولاعب مهم فى الأزمة السورية. هناك تقارير كثيرة تقول إن إيران استضافت العديد من قادة التنظيمات السنية المتطرفة، منذ غزو أمريكا للعراق عام ٢٠٠١، واستخدمتهم لمناكفة العديد من بلدان المنطقة. وهناك أيضا العديد من الدول الأوروبية التى لعبت بنفس الورقة الإرهابية. ولا ننسى أيضا أن بعض الأنظمة المستبدة بالمنطقة العربية، لا يمكنها الاستمرار إلا بوجود الإرهاب.
تجارة الإرهاب صارت سلاحا مؤثرا وكأنها أداة دبلوماسية عادية تستخدمها العديد من الدول بصورة مستترة حينا، ومكشوفة فى أغلب الأحيان لتحقيق أهداف ومطالب سياسية أخرى، لا صلة لها بالدين.
بالطبع نعذر الكثير من البسطاء الذين ينخدعون بالشعارات الفارغة للإرهابيين، خصوصا حينما تدغدغ العواطف وتثير حماس الناس. وبالتالى فإنهم لا يصدقون أن خلف هذه الشعارات مطالب سياسية محضة، قد تكون متصادمة مع جوهر الأديان.
لكن مرة أخرى هذا الالتباس، لا يتحمله فقط المواطن البسيط، لكن الحكومات العربية المختلفة التى تفشل أولا فى إقناعه بذلك، وثانيا أن سياساتها الفاشلة فى مجالات عديدة تلعب دورا مهما فى استمرار هذه المعضلة.