كعادته فى كل عام، كان منتدى الشباب الثالث مثيراً للجدل، وهو ما يؤكد مكانته كواحد من أهم الأحداث السياسية التى تشهدها مصر فى السنوات الأخيرة، حيث تتحول المناسبة إلى عدة مناسبات متداخلة فى بعضها البعض، فبالإضافة إلى صفته كمنتدى شبابى عالمى يحضره الآلاف من النخب الشبابية على مستوى العالم، فهو أشبه بمؤتمر عام للدولة المصرية يلتقى فيه المسئولون والإعلاميون والنواب وكافة قطاعات النخبة المصرية، وهو بالإضافة إلى ذلك مناسبة لالتقاء أبناء كل قطاع ببعضهم البعض، حيث يلتقى الإعلاميون ببعضهم البعض، وكذلك السياسيون، والباحثون الأكاديميون، ونواب البرلمان، فضلاً عن الشباب المصرى نفسه.
وفضلاً عن كونه عدة مناسبات متداخلة فى بعضها البعض أو عدة منتديات داخل بعضها البعض فإن المنتدى مناسبة لإيصال رسالة إعلامية مهمة، حيث يتجاوز حفلا الافتتاح والختام دوريهما، كإعلان عن بدء الحدث ونهايته، للتبشير بعدد من المفاهيم ونشرها على نطاق واسع. هذه المفاهيم النخبوية، والتى كان تداولها قاصراً على أقلية من المثقفين، تتحول من خلال المنتدى إلى مفاهيم شعبية بسيطة يجسد كل منها نموذجاً من النماذج الإنسانية التى تقدَّم فى بداية المنتدى وتكرَّم فى نهايته. وهكذا فإن للمنتدى فضل تبسيط مفاهيم مثل مقاومة العنصرية والتنميط والتنمر وتحدى الواقع وتغييره وعدم الاستسلام للضغوط.. إلخ، وله أيضاً فضل تجسيدها وطرحها على قطاعات واسعة من الشباب خصوصاً ومن المصريين عموماً.
هذه الرسائل التى يمكن إجمالها فى عبارة «الطاقة الإيجابية» هى رسائل سياسية بالأساس، وهى مضادة لرسائل «الطاقة السلبية» التى لا يتوقف الإخوان دائماً والإعلام الموالى لقطر وتركيا عن صناعتها وتجسيدها طوال الوقت. وبشكل عام فإن النظرة لمنتديات الشباب ولمؤتمرات الشباب بشكل عام لا تنفصل عن النظرة لعلاقة الدولة المصرية بالشباب، حيث كان هناك قرار سياسى بخوض المنافسة على عقول وقلوب الشباب المصرى واستغلال رغبتهم فى الفعل والمشاركة، وعدم ترك الساحة خالية لجماعة الإخوان الإرهابية أو لأطيافها المختلفة، وقد عبّر ذلك عن نفسه باستراتيجية تمثلت فى تأسيس البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب، ثم فى إطلاق عام الشباب عام ٢٠١٦، ثم فى الدعوة للمؤتمر الأول للشباب، وقد نمت هذه المنظومة وطورت نفسها، وتولى الشباب الخريجون من هذا البرنامج تنظيم مؤتمرات الشباب ثم المنتدى الدولى للشباب فى نسخه الثلاث. وبشكل عام اتسم الأداء بقدر من الاحترافية جعلت من المنتدى مناسبة سياسية مهمة يترسخ دورها مع الوقت.
على مستوى آخر يشكّل المنتدى إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية، حيث يتم استقطاب عدة آلاف من الشباب كل عام لزيارة مصر ومعاينة الأوضاع فيها عن قرب، وهى بلا شك رسالة استقرار وطمأنينة ترسلها مصر للعالم، فضلاً عن دورها المباشر فى دعم السياحة والدعاية المباشرة لها.
إن وجود منتدى مصرى يتم تنميته ورعايته من عام إلى آخر حتى يتحول إلى حدث عالمى هى فكرة جديرة بالتأييد والتشجيع، وكما أن هناك منتدى للإعلام فى دبى، ومنتدى للإعلام فى الرياض، ومنتدى للاقتصاد فى ديفوس، فليكن فى مصر منتدى للشباب طالما أنه ناجح فى أداء رسالته على المستويين الداخلى والخارجى. ولا شك أن الذين يتذرعون بالجانب المادى أو بما يتكلفه المنتدى يغالطون حين لا يذكرون أن المنتدى لا يموَّل من ميزانية الدولة وأن تكاليف رعايته تأتى من عدد كبير من الشركات والبنوك، ويغالطون مرة أخرى حين لا يقارنون بين الفوائد التى تترتب على انعقاد المنتدى وبين تكاليفه، إذ يظل عقد المنتدى صفقة رابحة طالما تتحقق جملة الفوائد الداخلية والخارجية المرجوة من انعقاده. ويبقى فى النهاية أن التحية واجبة للقائمين على المنتدى ولصاحب فكرته بقدر ما أفاد فى تحقيق أهداف الدولة المصرية من انعقاده، وهو قدر كبير.