الوفد
علاء عريبى
رؤى .. "انتظار" وقصص أخرى
استمتعت كثيرا بقراءة المجموعة القصصية الأخيرة للكاتب حسام أبوسعدة، وهى تضم 25 قصة، يحكيها راوٍ إسكندرانى شارك وشاهد جميع الأحداث، قد يتنحى عن السرد لبعض الوقت لبطل القصة لكنه سرعان ما يعود ويمسك بأطراف الحديث، يصف ويسرد ويتذكر ويحاور بلغة وقاموس واحد، قاموس الراوى والمؤلف فى الوقت نفسه، حتى عندما يتذكر أو يجرى حوارا خلال الأحداث يستخدم نفس القاموس، تتحدث الشخصيات بلسانه ومفرداته. لا تجد فرقا فى مستوى ثقافة المتحاورين، الجميع ينطق قاموسا بعينه، قاموس المؤلف، والراوى والشخصية.

معظم شخصيات المجموعة مأزومة ومضطربة، تعيش عوالم اقرب إلى الذهنية، تتداخل وتختلط فيها الصور، ويتماهى الواقع مع الخيال، ويصعب الخروج بالشخصيات والأحداث من اطار الذهنية إلى الواقع المعاش، وذلك لقربها من العجائبى والرومانتيكى فى آن واحد.

أبوسعدة لم يهتم كثيرا بتسمية شخصياته، كما انه لم ينشغل بوصف ملامحها، ونادرا ما حدد مهنتها والطبقة الاجتماعية التى تنتسب إليها، طبيب قصة العودة، مثل هانى فى الأخطبوط، والحاج سمير فى المهندس، والدكتور فؤاد فى الجثة ترتج، والعاطل فى الكرة الزجاجية، والشاب فى الثورة، والطبيب البيطرى فى الجمل، وفاطمة وزوجها فى انتظار، قد يتميز بعضهم اجتماعيا، لكنهم فى النهاية شخصيات مشوهة، دفع بها أبوسعدة إلى عالمه الذهنى، يكشف من خلالها اضطراب الواقع وقسوته وعدم توافقه مع رومانتيكية المؤلف.

الشىء نفسه يمكن أن تقوله على المكان، أغلب القصص جرت فى ذهنه، وتسمية المكان (الإسكندرية، الطريق، القاهرة، البحر، البيت، السيارة، المركز..) أو وصفه، لا يؤثر كثيرا على مجرى الأحداث، الأحداث يمكن ان تجرى فى شبرا أو باكوس أو طنطا أو خرسيت أو الإسماعيلية، أو ديروط أو بنغازى أو المجر أو باريس، وقد تجرى بدون مكان.

تقنية السرد تتشابه فى معظم القصص، يبدأ الراوى من جملة فعلية، يسرد ويصف ويناقض ويقيم ويعظ، ثم يعود بك وبالزمن لسنوات أو أيام ماضية، يتذكر ويستدعى، ثم يعيدك مرة أخرى للواقع أو إلى فاجعة، صحيح أن أغلب القصص غير محددة الزمن، جرى بعضها فى ساعة أو يوم أو أيام، لكن يمكن ان تقبض بيدك عليه فى بعض القصص التى جرت أحداثها فى ساعات أو يوم (العودة، أم فارس، الجثة ترتج، مذكرات فيروس).

الملفت فى عالم أبوسعدة أنه ضحى بمعظم أبطال قصصه، قتل بعضهم فى حوادث سيارات (العودة، المياه العكرة، الموهبة)، أو تحت الأقدام (شوكولاتة)، أو أنه يسوقه إلى التخلص من حياته بالانتحار (آدم وحواء)، وفى أخف الحالات يجعله يموت كمدا (انتظارا)، حتى الكلب فى قصة سكر أماته أبوسعد حزنا وكمدا لموت من كانت تعطف عليه وترعاه.

ومن لم يدفعه أبوسعد إلى الموت على الطرق أو الانتحار أو الموت كمدا، أنهى مسيرته بهزيمة وحسرة فى مواجهة مع ذاته وواقعه الذهنى المضطرب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف