تناقلت بعض وسائل الإعلام العربية خبراً عاجلاً عن واشنطن مفاده التزام الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة ليبيا، وسلامة أراضيها، إلا أنه بمجرد البحث اتضح أن أصل الخبر ما هو إلا تغريدة للسفارة الأمريكية فى ليبيا!
ويقول نص التغريدة، الذى جاء بمناسبة الذكرى الـ68 لاستقلال ليبيا: «تظل الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بسيادة ليبيا وسلامة أراضيها. ويجب على الأطراف الليبية وقف التصعيد واتخاذ خطوات جادة نحو حل الصراع. حان الوقت للقيادة الليبية الشجاعة لحماية الاستقلال بدلاً من فتح الأبواب للاستغلال الأجنبى»! الحقيقة أقل ما يمكن أن يقال عن هذه التغريدة إنها التزام بعدم الالتزام، فهل يعقل أن يصدر موقف الولايات المتحدة الأمريكية عبر تغريدة للسفارة فقط، وليس بياناً عن الخارجية، أو وزيرها، أو إحدى المؤسسات الحكومية فى واشنطن، فى الوقت الذى تشهد فيه ليبيا انقساماً خطراً، وتصعيداً واضحاً يشى بإمكانية وقوع مواجهة عسكرية مكلفة هناك!
فى ليبيا نحن لسنا أمام خلاف سياسى، بل نزاع مسلح، وتدخُّل خارجى تركى يهدد أمن ليبيا، وينذر بخطر على البحر المتوسط يمس جل الدول الأوروبية، كما أنه يهدد أمن مصر القومى، وبالتالى الأمن القومى العربى، كما ينذر بإشعال جذوة التطرف من جديد، ومنح المتطرفين والإرهابيين فرصة للظهور، فهل يُعقل أن تكتفى واشنطن فقط بتغريدة لإعلان التزامها بسيادة ليبيا، وسلامة أراضيها؟ أمر لا يصدق، والتزام لا يمكن الركون له. وبالطبع ليس مطلوباً من الأمريكيين إرسال بوارج، أو تدخّل عسكرى، وإنما المطلوب تحرك دبلوماسى حقيقى، والتلويح بعقوبات واضحة، ورسم خطوط توضح للأتراك، وتحديداً الرئيس أردوغان، أن هناك عواقب للتدخل فى ليبيا، ناهيك عن التصعيد، فرغم كل الخلافات الليبية - الليبية، فإن الاتفاقية البحرية الموقّعة بين تركيا وفائز السراج تعد بحد ذاتها استفزازاً للدول الأوروبية، وكذلك دول البحر المتوسط، ناهيك عن تهديد الأمن القومى المصرى، وبالتالى العربى. والمنطقة لا تحتمل أزمات أكثر، ولا حروباً، وعندما نقول المنطقة فهى منطقة الشرق الأوسط برمتها، وكذلك البحر المتوسط، حيث إن الأزمة تطال دولاً عدة، ومثل هذه الأزمات لا تحل، ولا يتم الالتزام بها، عبر تغريدة، بل عبر مبعوثين، وخطة سلام واضحة.
ما يحدث فى ليبيا هو أزمة معقدة عسكرياً، وأمنياً، وسياسياً، واقتصادياً، أى أزمة تتوافر بها كل عناصر الانفجار، ولذلك لا يمكن التعاطى معها من خلال حديث المناسبات، أو عبر تغريدة كما فعلت السفارة الأمريكية فى ليبيا. مشكلة واشنطن فى أزمات المنطقة أنها تتجاهلها فى البدايات، وعندما تضطر واشنطن للتدخل لاحقاً يكون التدخل مكلفاً للجميع، المنطقة وأمريكا، حدث ذلك، ويحدث، فى العراق، وإيران، وسوريا، وحتى اليمن، وليس فى عهد الإدارة الأمريكية الحالية وحسب، بل ومنذ عهد «أوباما» وضياع هيبة الخط الأحمر الذى رُسم فى سوريا، وقبلها الخدعة التى انطلت على جورج بوش «الابن» بأن «حماس» تتوق للديمقراطية! الحقيقة أن التغريد فى الأزمات السياسية ما هو إلا تغريد خارج السرب، أما المواقف فهى على الأرض.
* إعلامى سعودى