بوابة الشروق
خالد سيد أحمد
مسار تصادمي!
يطوى هذا العام أيامه الأخيرة، فى ضوء إصرار شديد من جانب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، على خلق مسار تصادمى فى منطقة شرق المتوسط، يضع مصر أمام تحدٍ كبير من أجل حماية أمنها القومى ومصالحها الحيوية فى منطقة الثروة المكتشفة بالمتوسط.

مبعث التخوف من ذلك المسار التصادمى، الذى تتشكل ملامحه بوضوح فى الفترة الحالية، التطورات التى حدثت خلال الأيام الأخيرة، خصوصا ما ذكره مسئول ليبى مساء الخميس الماضى، من أن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق فى طرابلس، طلب رسميا من تركيا الحصول على دعم عسكرى جوى وبرى وبحرى، لمواجهة الجيش الوطنى الليبى الذى يشن عملية عسكرية لاستعادة العاصمة الليبية من الميليشيات المسلحة.

هذا الطلب جاء بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أنه من المتوقع أن يمرر البرلمان التركى تفويضا لإرسال جنود إلى ليبيا خلال يومى 8 و9 يناير المقبل، تلبية لدعوة حكومة الوفاق، التى وقع معها قبل فترة اتفاق مثير للجدل والريبة، يتضمن تعاونا أمنيا وترسيما للحدود البحرية.

قبل ذلك أيضا، كانت هناك زيارة مفاجئة لأردوغان إلى تونس، على رأس وفد يتكون من وزيرى الدفاع والخارجية ومدير المخابرات ومستشارين أمنيين، وقد أثارت هذه الزيارة تكهنات بالتحضير لتدخل عسكرى وشيك فى ليبيا، لكن الرئاسة التونسية نفت ذلك، وقالت فى بيان رسمى إن «تونس لن تقبل بأن تكون عضوا فى أى تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أى شبر من ترابها إلا تحت السيادة التونسية وحدها».

كما نفت الرئاسة التونسية كذلك، ما ذكره وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية فتحى باشاغا، عن وجود تحالف مع تركيا والجزائر وتونس لدعم التعاون الاقتصادى والاستقرار فى شمال إفريقيا، مشيرا خلال مؤتمر صحفى فى العاصمة تونس، إلى وجود تعاون بين حكومة الوفاق يشمل تركيا وتونس والجزائر لدعم «الاستقرار الأمنى والسياسى» أيضا، بيد أنه لم يوضح ما إذا كان هذا التعاون سيشمل الجانب العسكرى.

هذه التطورات مجتمعة يجب أن ترفع منسوب القلق لدى مصر، وهو بالتأكيد قلق مشروع، نظرا لأن أردوغان بسلوكه هذا يحاول الدخول إلى الحديقة الخلفية لمصر، ويهدد مصالحها الاقتصادية فى مناطق الثروة المستجدة فى شرق البحر المتوسط، حيث يقدر مركز الأبحاث الجيولوجية الأمريكى، حجم احتياطى الغاز الطبيعى الذى يمكن استخراجه من باطن البحر بنحو 122 تريليون قدم مكعب، الأمر الذى يجعل هذه المنطقة مطمعا لكل القوى علها تحصل على جزء من كعكة الثروة.

ليس هذا فقط، بل إن التدخل العسكرى الوشيك لأردوغان فى ليبيا، يمثل خطا أحمر للقاهرة، التى تعتقد أن وجود تركيا فى هذا البلد العربى يعتبر تحديا لها وتهديدا خطيرا لأمنها القومى، وسيغذى ويدعم الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة على حدودها ما يؤثر على استقرارها وأمنها الداخلى.

الموقف الرسمى ــ حتى الآن ــ لمصر يرفض أى تدخل خارجى فى الشأن الليبى، ويدعم الحل السياسى الذى يحفظ وحدة أراضى الدولة الليبية، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كثير من المناسبات، كان آخرها الاتصال الهاتفى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مساء أمس الأول، حيث أكد السيسى «دعم مصر لتفعيل إرادة الشعب الليبى فى تحقيق الأمن والاستقرار لبلاده، وأهمية الدور الذى يقوم به الجيش الوطنى الليبى فى هذا السياق لمكافحة الإرهاب وتقويض نشاط التنظيمات والميليشيات المسلحة التى باتت تهدد الامن الإقليمى بأسره»، وشدد «على ضرورة وضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة فى الشأن الليبى».

لكن ماذا لو واصل أردوغان السير فى هذا المسار التصادمى؟ الإجابة أن مصر لن تقبل أبدا بأن يرتع أردوغان فى حديقتها الخلفية ويهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية، وسوف ترسل رسالة شديدة الوضوح، تؤكد أن مصر «جاهزة تماما»، للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل والطرق السياسية وغير السياسية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف