الوطن
طارق الحميد
للأنظمة تاريخ صلاحية
مع استقبال عام ٢٠٢٠ تفرد وسائل إعلامنا تغطية خاصة لأبرز أحداث العام الماضى بمنطقتنا، وتحديات العام الجديد، مما يحتم علينا أن نتذكر أمراً يغفله كثر، وهو أن للأنظمة تاريخ صلاحية.

وهذا ليس تنظيراً، وإنما واقع ملموس نراه اليوم فى إيران، والعراق، ولبنان، واليمن، وسوريا، وليبيا، كما رأيناه بعد ما عُرف بالربيع العربى، فمن لا يتطور، ويمارس الإصلاح المستمر، والتقويم، والتقييم، وتحديث الأنظمة فإنه سينتهى إلى الفشل، أو الانهيار، وحتى الإفلاس، ولبنان خير شاهد. تاريخ صلاحية الأنظمة يقول لنا إن الإصلاح ليس ترفاً، بل ضرورة. ويقول لنا إن الشعارات لا تُسدد الفواتير آخر اليوم، ولا تسد جوعاً، ولا تمنح اعتزازاً، ولم تعد أى الشعارات، مسكناً تُخدّر به الشعوب.

نقول للأنظمة تاريخ صلاحية، ومثلها كذلك الجماعات، والأحزاب، حيث إن الشعوب لا تأكل مقاومة، وتتعالج بالممانعة آخر اليوم، ولم تعدّل الفتاوى سلوكيات الناس، وإنما الشعوب فى حاجة إلى توفير الأساسيات، على الأقل، من عمل، وأمن، وصحة، وتعليم، وكرامة. ومن يتابع أحداث منطقتنا، خصوصاً الأنظمة والجماعات، التى عطلت التقدّم والتنمية، بحجة أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، أو بحجة المقاومة والممانعة، يجد أنها هى التى تستجدى الآن تدخل الآخرين فى شئونها. فقط تأمل الدور الإيرانى - الروسى - التركى فى سوريا، والتغول الإيرانى فى العراق، وواقع اليمن حيث أطاحت إيران بمبادرة الإنقاذ الخليجية عبر استغلال الحوثيين. وتأمل دعوة «الوفاق» فى ليبيا إلى التدخل التركى هناك. وانظر كيف يفاخر حسن نصر الله بأموال الولى الفقيه، وكيف تشكل الحكومة بلبنان تحت واقع ومفردات طائفية. وتأمل دور حماس فى غزة، وبحق الوحدة الفلسطينية.

لذا فإن للدول عمراً افتراضياً، وغير قابلة للاستمرار، طالما لا تواصل تطوير نفسها، وقوانينها، وأنظمتها، وتعليمها، واقتصادها، وتكون فى عملية إصلاح مستمرة، وقد يتفاوت ذاك الإصلاح بين سرعة، أو بطء، لكن لا أحد يملك ترف التوقف عن الإصلاح، وإلا سقط، وخرج من المعادلة. والأمثلة، كما أسلفنا كثيرة، مثلاً النظام الإيرانى، الذى استنفد، وعلى مدى عقود، كل الحيل من أجل عدم الإصلاح الداخلى، حيث تفتعل إيران الأزمات خارجياً، على أمل أن تتجنّب استحقاقات الداخل، والنتيجة اليوم هى أزمة إيرانية حقيقية، حيث العقوبات الخارجية، والنقمة الداخلية التى خلفت مظاهرات قتلت فى أسبوعين ألفاً وخمسمائة إيرانى. تأمل أيضاً عراق ما بعد صدام حسين، ومنذ ٢٠٠٣، حيث توقف العراق عن الإصلاح والتطور، وها هو اليوم يصل إلى طريق مسدود، حيث إن الاحتجاجات هناك تطال الرئاسة، والبرلمان، ورئاسة الوزراء، والأحزاب، أى ضد النظام برمته. والأمر نفسه فى لبنان.

واقع منطقتنا، بالأمس القريب، واليوم، يؤكد أن للأنظمة تاريخ صلاحية، وأن من لا يتطور يسقط. وهنا يكفى تأمل الإصلاح الذى نراه فى السعودية، ومصر، والإمارات، كمثال يُحتذى به مقارنة ببقية من ذكرنا، سواء إيران، أو العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، أو السودان، وغيرها. كل ذلك يقول لنا إن للأنظمة تاريخ صلاحية، وإن كلفة عدم الإصلاح باهظة على الأوطان، والإنسان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف