حسين القاضى
«الريسونى» يوجه سهماً نافذاً فى صدر الإخوان (3 - 3)
يؤكد الرمز الإخوانى الدكتور «أحمد الريسونى»، رئيس اتحاد علماء المسلمين فى قطر، وهو الاتحاد الذى أسسه الشيخ «يوسف القرضاوى»، يؤكد فى دراسته (مستقبل الإسلام بين الشعوب والحكام) أن شباب التيارات الإسلامية أفنوا أعمارهم، واستهلكوا حياتهم، واستنفدوا جهودهم من أجل إقامة الدولة، ولم تزدد الدولة بفضلهم إلا بُعداً وعسراً، وأن التضحيات التى قدموها فى هذا المضمار كان يحكمها الجهل الكبير بالسنن والقوانين الاجتماعية.
ثم يضيف «الريسونى» أن «الإسلام ترعرع واشتد عودُه وامتد نفوذُه عبر الزمان والمكان، بالرغم من انتقاض عروة الحكم، بل وصان المسلمون عزتهم، ووسعوا رقعتهم، ونشروا دينهم، بالرغم من الفساد والوهن فى دولتهم وحكامهم وحكوماتهم».
ويصل «الريسونى» من هذا الكلام -الذى ينسف به منهج الإخوان والتيارات الإسلامية- إلى أن «الدولة ليست كل شىء، وليست أهم شىء، وأن الدولة حين تصير هى كل شىء أو هى أهم شىء فى حياة الناس وحتى فى أذهانهم، فإنها تصبح حينئذ أخطر شىء على الناس وعلى قدراتهم ومبادراتهم وفاعليتهم، أما حين ينظر الناس إلى الدولة على أساس أن لها حيزاً محدوداً ووظائف محدودة، وأنها لا يمكن أن تقوم مقام الأمة ولا أن تلغى وظائفها، فإنهم حينئذ يتحررون من عقدة الدولة ومن تأليه الدولة، وينطلقون فى أداء واجباتهم وإصلاح شئونهم وبناء مجتمعهم وحمل رسالتهم، أياً كانت مواقف الدولة ودرجة تعاونها أو تخاذلها أو انحرافها».
وهذا الذى يقوله «الريسونى» بعد فوات الأوان ينسف الفكرة الإخوانية من أولها إلى آخرها، فالدولة التى يدعو «الريسونى» للتحرر من تأليهها هى نفسها الدولة التى يعتبرها «حسن البنا» و«سيد قطب» من أصول الإسلام، وكل هذا يضع العقل الإخوانى فى أزمة شديدة لهذا التناقض الذى يسمعونه من قياداتهم.
ثم يدعو «الريسونى» إلى العناية بالأمة وتفعيل طاقاتها وتطوير آليات عملها قبل العناية بالدولة ومؤسساتها، لأن الأمة هى ما يزيد على الألف مليون، وأن عشرات الملايين منهم يوجدون فى قلب الدول الغربية والحضارة الغربية، وأن فى الأمة ملايين من العلماء والأثرياء والمفكرين والمبدعين والدعاة والمستعدين الراغبين فى البذل والتضحية لدينهم ولأمتهم وللبشرية قاطبة.
إن كثيراً من الدعاة إذا تحدثوا عن مستقبل الإسلام دخلوا مباشرة فى الحديث عن مواجهة المخططات والتحديات الخارجية والمؤامرات المعادية، وإذا تحدثوا عن رسالة الإسلام ربطوا ذلك بأزمة الحضارة الغربية وفشلها وبوادر تفككها وحتمية انهيارها، وكأنه لا مستقبل للإسلام ولا مكان لرسالته وحضارته إلا على أنقاض الحضارة الغربية، مع أن مصلحة البشرية -ومنها المسلمون- تكمن فى إنقاذ الحضارة الغربية وتحسينها وترقيتها، وبمزيد من النجاح والتقدم للإسلام بعقيدته وأخلاقه وقيمه وشريعته، وبالنماذج والإنجازات المشرفة لأهله.
وكلام «الريسونى» هذا يمثل سهماً فى قلب الإخوان والتيارات المماثلة، لأنها التى تدور فى فلك المؤامرة الداخلية والخارجية والابتلاءات، وهى التى تأسست أطروحتها على قضية الحاكمية وتكفير الحكام والمحكومين، وقضية الجاهلية، وقضية التمكين والاستعلاء، وهى التى صرفت أتباعها لتكون قضيتهم الأولى والرئيسية التى يقاتلون من أجلها هى قضية الحكم التى ليس لها سند معرفى تفصح عنه وتنتمى إليه، ومع ذلك جعلوها مجمع أهدافهم، ومبتدأ طلبهم، فخاضوا لأجلها كبرى معاركهم، وألقوا فيها كامل ثقلهم، وجندوا لها كل طاقاتهم وإمكاناتهم المادية والمعنوية، بل عملوا على هدم مؤسسات الدولة لأجلها!! وجعلوها الأصل الأكبر من أصولهم!!.