الوطن
طارق الحميد
المنطقة.. ما بعد الضربة
استهداف الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً لخمس منشآت تابعة لكتائب حزب الله الإيرانية - العراقية، الأحد الماضى، موقعان فى سوريا، وثلاثة فى العراق، رداً على استهداف قاعدة عسكرية أمريكية فى العراق، لا يمكن أن يُنظَر له على أنه مجرد رد عسكرى محدود، بل أكثر من ذلك.

الضربة الأمريكية هذه تعنى تغيراً فى قواعد الاشتباك، وليس قواعد اللعبة، كما يقال، بين أمريكا وإيران فى العراق والمنطقة. ولذا فإن الضربة، وقوتها، ودقتها، وحجم الخسائر التى طالت الميليشيا الإيرانية - العراقية جراءها هى بمثابة الحركة الأولى على لوحة شطرنج التصعيد، إن جاز التعبير، فى الأزمة الأمريكية - الإيرانية، وأزمة كل المنطقة مع إيران. ومعلوم أن هذه الأزمة المتصاعدة مع إيران، سواء أمريكياً، أو فى المنطقة، ليست وليدة اليوم، فطوال الشهرين الماضيين، مثلاً، والقواعد الأمريكية فى العراق تتعرض إلى استهداف من جماعات موالية إلى إيران، حيث تم استهداف ١١ قاعدة، ومجمعات أمريكية عسكرية هناك. صحيح أن مقتل المواطن الأمريكى يجعل الموقف أكثر تعقيداً، لكن طبيعة الرد يوم الأحد الماضى، وموقعه، والهدف الذى تم ضربه، تشى بأمور عدة. فمنذ عودة القوات الأمريكية إلى العراق عام 2014 امتنعت الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأمريكية عن مهاجمة بعضهما البعض، وكان التركيز على العدو المشترك «داعش»، لكن بعد انكسار التنظيم الإرهابى، وإعلان الرئيس ترامب الانسحاب من المعاهدة النووية مع إيران، وممارسة ترامب لما عُرف بحملة «الضغط القصوى» بالعقوبات على إيران زادت التوترات بين طهران وواشنطن.

وإحدى أهم طرق إيران لجلب واشنطن للتفاوض كانت الأعمال الاستفزازية بالمنطقة، من استهداف «أرامكو»، إلى استهداف القوات الأمريكية بالعراق، وكانت الورقة التى تلوّح بها طهران أمام الأمريكيين، وحلفائهم بالمنطقة، هى انتشار الجماعات، والميليشيات المسلحة، التى من شأنها إشعال المنطقة فى حال قام الأمريكيون بالرد على الاستفزازات الإيرانية. لكن أمريكا قامت الآن بالرد، ووجهت ضربة لجماعة إيرانية - عراقية فى العراق وسوريا، وأثبتت أمريكا أنه من السهل استهداف أذرع إيران طالما أن لديها مراكز وعدة وعتاداً. وهذا ما أثبته قبلهم الإسرائيليون باستهدافهم مخازن ومقار «حزب الله» اللبنانى فى سوريا، وكذلك مخازن ومقار الإيرانيين هناك، وهو الأمر الذى لا تزال إسرائيل تواصل فعله وقت ما قررت دون رد إيرانى حقيقى!

وعليه، فإن إيران فى ورطة حقيقية الآن، فهل ترد وتُشعل حرباً، أم تلتزم الصمت، وتترك للعراقيين الشجب والاستنكار، وتثبت أن جماعاتها المسلحة ما هى إلا نمر من ورق وقت الشدائد؟ أو يقود تغيّر قواعد الاشتباك الأمريكى - الإيرانى هذا إلى مفاوضات أمريكية - إيرانية عبر قنوات خلفية؟ أم ينتهى إلى مواجهة عسكرية كبرى، وخطرة، ولو بالخطأ؟ ولذا فإن ما بعد الضربة ليس كما قبلها. وبالطبع فإن أفضل ما يمكن أن يتم الآن من أجل مصلحة العراق، ومنطقتنا، هو مواصلة فرض العقوبات على إيران، والتشدد بها، وكذلك الاستمرار فى تقليم أظافر إيران، وخلع أنيابها، بكل منطقتنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف