علاء عريبى
رؤى .. مملكة راغب إسكندر الوجدانية
زرت أول أمس معرض الفنان التشكيلى الكبير راغب إسكندر بقاعة الباب فى دار الأوبرا، ضم المعرض بعض اللوحات التى رسمها منذ 1975 وحتى 2019، إسكندر فنان تجريدى، وعلى قدر من الثقافة، وله رؤيته الخاصة فى الوجود وفى الحياة المعاشة، وهذه الرؤية يعبر عنها بالألوان على مساحة بيضاء، بشاعرية وعمق وتلقائية.
إسكندر مثل سائر الفنانين يتفاعل مع الحياة من خلال أدواته الفرشاة والألوان والمساحة البيضاء، والأدوات فى حد ذاتها لا تشكل لوحة ولا تصنع فنًا، بل إن الفنان بثقافته وخبراته ومهاراته ورؤيته يصنع بهذه الأدوات حالات فنية تختلف درجة سحرها وشاعريتها حسب مراحله الحياتية، وحسب الظروف المحيطة التى يعيشها ويتفاعل معها.
رموز راغب المستدعاه من المحيط المعاش المحسوس تدركها بسهولة فى لوحاته، يتكرر بعضها فى المربع أو المستطيل التشكيلى، مثل: الشمس، اللغة الفرعونية، والسمك، والعين، شريط الموسيقى، الفضاء، الكونى، الشواهد الأثرية..هذه الرموز لا تقف عند شكلها ودلالتها الخارجية فحسب، بل إن إسكندر يغوص بها فى أعماق التاريخ والحضارة والكون والوجود ككل، يأخذك إلى عصور وحضارات متباعدة ومتفاوتة، الفرعونى، والقبطى، واليونانى، والعربى، والإفريقى، معبرًا عن رؤيته لواقع قد يكون مؤلمًا، مشوهًا، مترديًا، غامضًا..
ألوان إسكندر القاتمة أول ما يستوقفك فى لوحاته، تضع يديك على حالة القلق والحزن وعدم الرضا المسيطرة على مشاعر الفنان، فى بعض اللوحات تبدو غاضبة تصرخ، وفى أخرى حزينة تهمس وتئن، تسمع صوتها وتستشعر تونها من خلال النغمات التى تسمع ترانيمها وهمسها وأنينها من حركة شريط النوتة المستدعى كرمز فى فضاء اللوحة.
اللوحات رغم تعددها وعودتها إلى فترات متفاوتة من رحلة إسكندر، ورغم تجريدها فإنها مجرد حالات وجدانية ونفسية مر بها فى فترات بعينها، هى ليست ذاتية منغلقة على نفسها، بل هى حالة متفاعلة مع محيطها، رؤية فيما يقع من أحداث حياتية أو فكرية محلية وإقليمية وقارية وإنسانية وكونية. يسميها الفنان مملكة الوجدان، صحيح هى وجدانه، لكنها وجدان ترى وتسمع وتتعايش وتنفعل وتعبر عن نفسها فى أشكال خارجية تجريدية وتعبيرية، تحتاج منك أن تترك نفسك للوحة، تتأمل مستدعيًا خبراتك وثقافتك ومشاعرك وخيالك لكى تتمكن من القفز داخل مملكة راغب إسكندر الوجدانية، والاستمتاع بالأشكال وهمسات الموسيقى وبمشاعره الدافئة الحزينة.