محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه " 12"
عود علي بدء يذكرنا عبدالحميد السحار بأنه أراد بهذه السيرة أن يفسر التاريخ تفسيراً روحياً. وأن يطهر ضمير الإنسان من أدران المادية الطاغية. وأن يعيد إليه رفاهيته التي بلغت غايتها في ظل الدين. وأننا لو سرنا عبر التاريخ منذ خلق الله آدم. لوجدنا أن قمم الحضارة الشامخات قد كونتها نفحات روحية. رفعت الإنسان فوق مطالب الأبدان وضرورات الغرائز. وما تهفو إليه النفوس. فأعادت إليه كرامته وسموه. ودفعته في مدارج الرقي لينال خير الدين والدنيا.
خلق الله آدم ليكون خليفته في الأرض "إني جاعل في الأرض خليفة". وكان آدم- قبل أن يهبط الأرض- علي علم. وهو ما جاء في القرآن الكريم "وعلم آدم الاسماء كلها". فلما هبط إلي الأرض كان يعيش مع الله. وبالله. وفي الله. وراح يعلم أبناءه ما يعلم. ويبني أول مجتمع بشري علي أسس سليمة. ويلقن ذريته أن كل عمل يوزن في ذاته. كما يوزن من حيث صلته بخالق الكون والناس. لأن كل إنسان سيسأل عما يفعل يوم القيامة.
تعلم بنو آدم أن الملك لله. وأن المال مال الله. وقد جعل الله الناس مستخلفين في ماله. وغرست في وجدانهم قيم خلقية أسمي من الواقع الأرضي المستمر في الجريان.
ثم يتناول الكاتب تواصل التطور التاريخي. طال علي الناس العهد. فبعدت الشقة بينهم وبين السماء. فقست قلوبهم. وجعلوا لله أنداداً. ولأن الله كتب علي نفسه الرحمة. فإنه - سبحانه- لم يعذب الناس بكفرهم. بل بعث إليهم رسله ليعيدوهم إلي الصراط المستقيم "وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا". وفي قوله تعالي كذلك "من عمل صالحاً فلنفسه. ومن أساء فعليها. وما ربك بظلام للعبيد".
دعا الرسل إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. يؤمن الناس فينالوا عز الدنيا والآخرة. ويسرفون في الكفر. فيذهبهم الله ويأتي بخلق جديد. وكما يقول في كتابه "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد".
قبل عصر الأسرات. بعث الله نبيه إدريس. فدعا الناس إلي عبادة الله وحده. وآمن المصريون بدعوة إدريس. بالله واليوم الآخر. وأقاموا حضارتهم علي قيم روحية هذبت ضمائرهم. وجعلتهم يعملون للدنيا والدين. وبنوا مقبرة الأهرام الهائلة استعداداً ليوم النشور. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. وكما يقول ول ديورانت في قصة الحضارة. فقد كان الدين في مصر فوق كل شيء. ومن أسفل كل شيء. وبني إدريس الكعبة لتكون أول بيت بني للناس.
لما بدأت النفوس في التحول أرسل الله نوحاً برسالة محددة "إنا أرسلنا نوحاً إلي قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم. قال يا قوم إني لكم نذير مبين. أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون. يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلي أجل مسمي. إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون".
قابل قوم نوح دعوته بوضع أصابعهم في آذانهم. ورفضوا الاستجابة لكلماته. فدعا نوح ربه "رب لا تذر علي الأرض من الكافرين دياراً. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" فاستجاب الله دعوة رسوله. وأغرق قومه. لتبدأ البشرية عهداً جديداً.
في عصور تالية. تداخلت الأساطير والأكاذيب والترهات. وعرف الناس عبادة الكواكب والنجوم والأصنام. حتي بعث الله نبيه إبراهيم ليدعو الناس في أرض العراق وسوريا ومصر. إلي دين الحق. وليخرجهم من الظلمات إلي النور.
أقام إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل في مكة ليكون منارة للتوحيد في الأرض. ورحل إبراهيم إلي رحاب الله بعد أن دل البشرية علي الطريق التي أخطأتها. طريق اليقين الديني. والإيمان بالله الواحد الأحد.
للكلام بقية