حنظلة بن أبي عامر بن عوف الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف هداه الله إلي الإسلام رغم أن والده أبو عامر يُعرف في الجاهلية بالراهب. ومن المفارقات أن أبا عمر وعبدالله بن أبي سلول كانا حاسدي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - علي ما من الله به علي سيد الخلق من الرحمات والفيوضات. فأما عبدالله فقد أضمر النفاق وأما أبوعامر فخرج إلي مكة من المدينة وقدم مع قريش يوم أحد محارباً وظل بمكة حتي تم فتحها ثم هرب إلي هرقل ومات هناك كافراً سنة تسع.
حنظلة ابن أبي عامر. فقد ظل سيداً من سادات المسلمين واشتهر بغسيل الملائكة. وقد جاءته هذه الشهرة وذلك للحديث الذي رواه عاصم بن عمرو بن قتادة أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: ان صاحبكم لتغسله الملائكة. يقصد - صلي الله عليه وسلم - حنظلة. وقد انطلق الصحابة يسألون زوجته قالوا: ما شأن حنظلة؟ قالت: ان حنظلة خرج وهو جنب ولم يستطع الاغتسال بعد أن سمع صيحة النداء للجهاد في سبيل الله. ولذلك قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: غسلته الملائكة. وكفي بذلك شرفاً ومنزلة عند الله تعالي لرجل لبي نداء ربه ثم قتل شهيداً فلقي الحق راضياً مرضياً.
وتقول كتب السيرة النبوية والتراجم أن حنظلة كان يقاتل يوم أحد مع جيش المسلمين وخلال المعركة التقي مع أبي سفيان بن حرب فاستطاع حنظلة أن يقفز فوق أبي سفيان وكاد يقتله. لكن جاء شداد بن الأسود المعروف وسط قومه بابن شعوب الليثي وقد ساعد أبا سفيان فاستطاع أن يتغلب علي حنظلة. وخلص أبا سفيان وتمكن من قتل حنظلة. وفي إحدي الروايات أن أبا سفيان قتل حنظلة وحين وجه إليه الضربة القاتلة قال: حنظلة بحنظلة أي أن حنظلة الأول هذا غسيل الملائكة وأما حنظلة الثاني فهو ابن أبي سفيان وقد قتل يوم بدر كافراً. تلك هي شهوة أبي سفيان في الانتقام. والفارق كبير بينهما إذ أن الأول مات شهيداً أما الثاني فاختار دين الجاهلية.
تلك هي رسالة الإسلام حينما تستقر في القلوب تكن هداية ونذراً. وقدرأينا كيف كان استعجال حنظلة حين سمع نداء الجهاد. اشتعل النور في وجدانه فانطلق غير عابيء بالجنابة إذ الأهم أن يبادر بالانضمام إلي كتيبة المسلمين المتجهة إلي أحد. وأخذ يقاتل بلا هوادة حتي رأينا النهاية السعيدة لرجل من الأنصار كان قوي الإيمان والعزيمة الخالصة لوجه الله وحده لأنه يريد رضا ربه وكفي بها نعمة!!
ومما يجدر أن نعرضه ونحن نستعرض موقف حنظلة حيث روي قتادة عن أنس بن مالك: قال: افتخرت الأوس والخزرج في أحد الأيام. وفي إطار هذا الافتخار قالت الأوس: منا غسيل الملائكة. حنظلة. ومنا الذي حمته أفواح النحل. عاصم بن ثابت. ومنا الذي اهتز لموته عرش الرحمن: سعد بن معاذ. ومنا من اجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت. أما الخزرجيون فقالوا: منا أربعة نفر قرءوا القرآن علي عهد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لم يقرأ غيرهم هم: زيد بن ثابت. وأبوزيد. وأبي بن كعب. ومعاذ بن جبل. ويقصد الخزرجيون بأن أحداً لم يقرأه من الأوس. وأما من غيرهم فقد قرأه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - وعبدالله بن مسعود في قول وسالم مولي أبي حذيفة. وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهم.