بوابة الشروق
محمود قاسم
شيطان الصحراء
ليس هناك فى السينما المصرية فيلم له مثل هذا الإيقاع الغريب اللاهث الذى نراه فى فيلم «شيطان الصحراء» الذى أخرجه يوسف شاهين عام 1954، كما أنه ليس هناك فيلم مصرى واحد تغير فيه الاسلوب التمثيلى لكل من شاركوا فيه، مثلما حدث هنا، فأنت لم تر لولا صدقى كما نراها هنا، فهى لم يكن لها أبدا مثل هذه الصورة، والغريب أنها توقفت عن العمل لسنوات قبل أن تضطر للعودة بفيلم من إنتاجها باسم «عريس مراتى»، وتعمل فى بطولات مشتركة فى «الوريثات الثلاث»،،، ثم تعتزل للأبد بعد أن هاجرت إلى ايطاليا، كما ينطبق الأمر كذلك على عمر الشريف الذى قام بدور الفارس الصحراوى عصام، وأثبت أنه أكثر تفوقا فى مثل هذا الدور من كل من لعبوا دور الفارس، وعلى رأسهم: بدر لاما، وأحمد مظهر، كما رأينا أغلبية من عملوا بالفيلم بصوة مغايرة بل منقلبة، ومنهم مريم فخر الدين، وتوفيق الدقن، وحمدى غيث، وعبدالغنى قمر، وهما من الممثلين اللذين لعبا دورين بارزين فى فيلم «صراع فى الوادى».

أتصور الناس وهى جالسة فى قاعات العرض الأول تشاهد الفيلم بانبهار ودهشة، غير مصدقين ما يرونه، فليس فى الفيلم كله أى من المشاهد التى اعتدنا رؤيتها فى كل السينما العالمية والمحلية، وهى مشاهد الحوارات والثرثرة فى الغرق والبنايات، فهذا بالتقريب فيلم بلا غرف أو جدران، والمشاهد القريبة للاشخاص أيضا محدودة، وهى المشاهد التى ركزت على جمال البورتريه لكل من مريم، ولولا، وعمر، بينما كانت وجوه جميع الأشخاص بعيدة. تم تصويرها بلقطات بعيدة تعكس حالة الهرولة والركض التى يعيشها الفارس عصام، عدا وجه توفيق الدقن حين تحول من خائن إلى أب طيب عليه إنقاذ ابنته من براثن الحاكم الذى يود الزواج منها، وهو دور مشابه تماما لما جسده فى فيلم صحراوى آخر جسد فى الفترة نفسها فى فيلم «أنا الشرق» الذى تحدثنا عنه هنا من قبل.

إنه فيلم ظلمه كل من كتبوا عنه، لكن لم يكتب أحد، ووضعوه فى خريطة الأفلام المجهولة أو المبتذلة.

لا أدعى أننا أمام فيلم عظيم، ولكنى أجزم أنه بلا مثيل، فيلم مختلف فى جميع سماته، عدا الحدوتة التقليدية للحاكم الغازى الشهوانى، وهو فيلم يؤكد أن يوسف شاهين مخرج شديد التنوع، فيما قدمه، وأن بعض افلامه فى حاجة إلى إعادة تقويم، ومنها «شيطان الصحراء»، ثم «فجر يوم جديد» الذى سنتحدث عنه فى مرة قادمة.

مشاهدة الفيلم تخلق حالة، فهو مختلف عن جميع الأفلام التى يتم تصويرها عن الغجر او البدو والعربان، كما تبين أن المخرج الذى قدم مجموعة من الأفلام التاريخية كان له فى كل فيلم أسلوب بالغ الاختلاف، كما أن فيلما واحدا لشاهين عن فرسان الصحراء يغلب جميع افلام نيازى مصطفى. وكم هناك فرق كبير بين الفارس عصام هنا الذى جسده عمر الشريف وشخصية عنترة الثقيل الحركة الذى لا يصلح أبدا أن يكون فارسا، كما جسده كل من سراج منير، وفريد شوقى، بل إن عمر الشريف هنا أكثر مرونة، وفروسية وقدرة على الحركة من دور الكاوبوى فى فيلم «ذهب ماكينا»، إخراج جاك لى طومبسون أمام جريجورى بيك، عام 1971، المشاهد فى فيلم شاهين تصبغها سرعة ايقاع لا مثيل لها لا يمكن أن تصدق أن هذا هو عمر الشريف، إنه لا يمشى، ولا يجرى بل هو فى حالة هرولة، وهو يقفز فوق الحصان أو ينطلق به فى الصحراء، هو لا يعرف الوقوف، ثم الكلام. إنه يركض بالحصان أو بدونه، وللأسف فإن عمر الشريف الذى كان من فرسان السينما تحدث فى مذكراته أنه ظل محبوسا فى البدلة والملابس المدنية فى أغلب افلامه بمصر، باستثناء «المماليك» لعاطف سالم، حتى اذا ما اكتشفته السينما العالمية استفادت من مهارته فى الفروسية فى أفلام منها «لورانس العرب» و«الفرسان».

وبالعودة إلى فيلمنا، فهو يصل بك إلى حد اللهاث، وكل شىء فى الفيلم يتحرك بسرعة ما، سواء إلى الامام فى دروب الصحراء، أو سواء فى دوائر وأشكال هندسية غير محددة، وقد بدا ذلك أيضا فى أشياء كثيرة منها أصوات الممثلين، فلا تستطيع أن تميز الأصوات المعهودة لحمدى غيث وتوفيق الدقن وعبدالغنى قمر، بالاضافة إلى السيدات، وقد شعرت بالنفور بشكل عام فى مرات سابقة حاولت فيها مشاهدة الفيلم، لأننى لا أحب اصوات الدوبلاج، ومازلت حتى اليوم أؤكد أنه ليس أبدا صوت عمر الشريف، ويحتاج الأمر إلى شهادات من خبراء الصوت، أو ممن صنعوا الفيلم، وجميعهم رحلوا عن عالمنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف