الوفد
مصطفى عبيد
خارج السطر .. كيف ننأى بأنفسنا عن معسكر القتلة؟
لا تنخدع بالمسميات والأوصاف. شهيد، بطل، قائد، إرهابى، مجرم: كلها أوصاف يمكن جمعها فى شخص واحد فى هذا الزمان. الزيف عنوان واضح للمرحلة والحقيقة ملتبسة حتى أن أحدا لا يعرف الحق من الباطل.

لقد سمى البعض سيد قطب شهيدا رغم أنه حرض أجيالا على العنف، وأطلق آخرون الوصف ذاته على الرئيس السادات رغم أن قاتليه كفروه.

قُتل قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى بقصف أمريكى مخطط. دعك من كلمة «القدس» التى تاجر بها الجميع، واعرف أن المقتول قتل المئات غيلة، مُسلمين وعربا وأمريكيين وغير ذلك. رصاصة فى الظلام، أو لُغم على الطريق، أو سم مدسوس فى طعام، أو استهداف مباشر. كان سُليمانى مسئولا عن سحق ثوار سوريا، ونجح، وكان مسئولا عن تربية ميليشيات مسلحة فى العراق، وتحريك وتنظيم قوات الحوثيين وترتيب هجماتهم الصاروخية على السعودية، ودعم كتائب حزب الله. فضلا عن اغتيال مسئولين سعوديين وعرب وأمريكيين. بالمختصر البسيط كانت مسيرته مسيرة دم، وهى لا يمكن أن تنتهى دون دم.

مَن يعش بالسيف يمُت به، حدث ذلك مع الرئيس السادات الذى تورط فى قتل أمين عثمان واشترك فى محاولة قتل النحاس باشا، وانتهى به الحال مغدورا يوم نصره. وجرى ذلك مع القذافى، وعلى عبدالله صالح، وصدام حسين، فما جزاء القتل غير القتل؟

ودونالد ترامب قاتل بإمتياز حتى لو أقسم أن هدفه منع حرب وإبعاد خطر. فالتصعيد لا يؤدى إلا إلى تصعيد، والحروب تشتعل بمستصغر الشرر والكل خاسر، وإن زعم أحدهم أنه حقق نصرا. يكفيه أرواح المدنيين الأبرياء الذين يسقطون دون جرم. يقول ترامب مبررا قصف موكب سليمانى أنه قتل لمنع حرب شاملة فى المنطقة ! لكن كلامه مثل تغريداته تحمل كثيرا من الحمق والغطرسة وعدم الاكتراث بأمن شعبه وأرواح جنوده الذين يقتلون فى الشرق الأوسط مع موجات الكراهية التى لا تتوقف. بالطبع لن يتوقف الدم، فالغضب طوفان يجرف كل شىء.

هذا« زمن الحق الضائع» كما يقول صلاح عبدالصبور. «زمنٌ لا يعرف مقتول من قاتله ولم قتله. فرؤوس الناس على جثث الحيوانات. ورؤوس الحيوانات على جثث الناس».

هو عالم ملتهب بالصراعات، والأزمات، ومؤامرات الليل والنهار. دول تحكمها ميليشيات، وإرهابيون يديرون بلادا، ومليارات تُدفع هنا وهناك من أجل الخراب والفوضى. قتلة من كل لون وملة. طُغاة ضد طغاة، وفاسدون يواجهون الفساد، ودماء تسفح باسم الأديان، والقيم، والمدنية، ولا شىء حقيقى سوى الموت.

فى مثل هذه الأجواء لا تنشغل بالسماوات الملتهبة. اغمض عينيك واحلم بعالم سعيد، آمن. فِر فرارا إلى الموسيقى والإبداع، اهرب إلى الكُتب. الأدب. الفن. الجمال. التاريخ. اقرأ واكتب وتأمل خلق الله واتعظ وفكر بعيدا بعيدا كما قال كافكا يوما «نحن نكتب لننأى بأنفسنا عن معسكر القتلة».. والله أعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف